كتاب فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
المستقلين دورٌ مؤثِّرٌ في مواجهة هذه الفتنة، ومهما يكن من أسباب هذا التراجع -الذي نُسِبَ إلى التَّقِيَّةِ أحيانًا، وإلى الصدق في التحول أحيانًا أخرى- فإن الواقع بعد الثورات العربية بوقائعه سَيُخْرِجُ مكنونَ الضمائرِ، ومستورَ السرائر!! وقد يُرصد في الآونة الأخيرة -هنا أو هناك- استئناف لنشاط جماعات الغلو بصور متعددة.
سادسًا: نضج في التعامل مع الخلاف:
كما يُلْحَظُ أن هناك تغيرًا في الموقف من الخلاف عمومًا، وهو تطور إيجابي، سواء أكان الخلاف فقهيًّا، أم دعويًّا حركيًّا؛ فكله من باب واحد وهو الظنيات، وذلك في مقابل الأمورِ القطعيةِ وما كان من جنس مسائل الاعتقاد الكبار، فحصل التفريقُ بين مواطنِ الاجتهادِ العلمي والعملي، ومواطنِ الإجماع والاتفاق، وعلى أية حال فقد بدأ إدراكٌ علمي لأسباب الخلاف، وتفهُّمٌ لموقف الآخر في مختلف القضايا، وانعكس هذا -بطبيعة الحال- على المواقف العملية، وَوُجِدَ قدر من التسامح والتغافر في هذا الباب، وإن كان لم يصلْ بعدُ إلى حدِّ الظاهرة، إلا أن الممارسة العملية، والمشاركة المجتمعية، والسياسية الواسعة المتوقَّعة في المرحلة المقبلة يُرْجَى أن تُسهم بدور فعال في مزيد من النضج في هذا الباب، وقد ظهرت مبشرات كثيرة -بحمد الله- في الحالة المصرية بعد الثورة، لا سيما في العلاقة بين السلفيين والإخوان.
الصفحة 59
208