كتاب فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
يستطِعِ العملُ الإِسلامي -رغم ما له من مقوماتٍ كثيرة- أن يبني حوارًا فكريًّا منظمًا، لا على المستوى الداخلي فيما بين التيار نفسه، ولا فيما بين طوائف العاملين على الساحة الإسلامية، ومن ثم لم تستطِعْ هذه الاتجاهات أن تخرجَ بخلاصةِ فكرِهَا المتلاقحِ، وأطروحاتها الممحَّصَةِ إلى ساحة الأمة، فضلًا عن أن ترتقي بخطابها ومشروعها الفكري الحضاري إلى المستوى العالمي.
وأزمة الخليجِ خير شاهدٍ على هذا العجز الفكري، ففي الوقت الذي امتلأت فيه أرفف المكتبات بالدراسات الجادة، والندواتِ الموسعةِ، والحضورِ المكثفِ لمن هم خارج المعسكر الإِسلامي، نجد أن العمل الإِسلامي لم يفرز أو يقدم دراسةً محترمةً أو عملًا متميزًا على مستوى مؤتمرٍ علميٍّ أو ندوةٍ شرعيةٍ واقعيةٍ، أو استبيانٍ، أو دراسةٍ جماعيةٍ، ومثل هذا قد يقالُ في المعالجةِ الإِسلامية لقارعةِ الحادي عشر من سبتمبر وإفرازاتها.
وهذا المستوى المتواضع من الأداء لا بد وأن يقود إلى نتيجةٍ حتميةٍ، وهي أن صلةَ الدعاةِ إلى الله بالأحداث الجارية هي صلةُ المنفعلِ لا الفاعل، فالأحداثُ تُصنع بعيدًا عنا، ونُسْتَدْعَى لها في الوقت المناسب، ويُوظِّفُنَا غيرُنا دون أن نقدرَ على توظيف الأحداث لمصلحة المسلمين، بل تُصَفَّى الحسابات بدمائنا وأموالنا -أحيانًا- ونشارك في معاركَ لا تعنينا، ولا ندرى عقباها!
الصفحة 62
208