كتاب فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
وكل ذلك قد حصل؛ فتارة غاب العلماء، وانسحبوا من مواقعَ كثيرةٍ، في الوقت الذي تغلبت فيه زعاماتٌ من غير العلماء، أو عاملون غيرُ علماء، وتارة وقع الشقاق بين أجنحة العمل الواحد؛ فكانت النتيجةُ إقصاءَ العلماء، وتغييبَ دورِهم في القيادة والإرشاد.
ونتيجة لغياب العلم الهادي، الذي يوضح معالم الطريق، فَيَقِي المعاطبَ، ويُنْجِي من المهالك، فقد وقع العمل الإسلامي أسِيرَ التجربة والخطأ، يتلمسُ طريقَهُ في دياجيرَ مظلمةٍ من الفتن، وعواصفَ عاتيةٍ من المِحَنِ، ونوازلَ مستجدةٍ من حوادث الزمن، لا تنجلي غُمَّتُها إلا باجتهادٍ محقَّقٍ، وعِلْمٍ موثَّقٍ.
وإن كانت الأمانة تقتضي القولَ بأن الشبابَ المتوضِئَ بالإيمان قد غيَّر كثيرًا من وجه الحياة الاجتماعية، والسلوك العام، بقيامه بواجب الدعوة العامة والخاصة، وما انتشار الهدي الظاهر عامة، وانكسار حدة كثير من منكرات الأخلاق إلا ببركة هذه الجهود المخلصة، التي لم يأتِ مثلُها، ولا قريبٌ منها عبر جهود مؤسسات دينية، أو علماء رسميين.
ولقد شهد الواقعُ حالاتٍ من اجتهاداتٍ غير ناضجةٍ، ومن انفعالاتٍ غير مدروسةٍ من الشباب، ومن خَلْطٍ بين الشجاعةِ والتهورِ، وبالمقابلِ شهد حالاتٍ من التراجع، ولَبْسِ الحق
الصفحة 67
208