كتاب البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر

وسَكَرانًا: نقيض صحا. انتهى.
وقد حقَّق معنى السُّكر جماعة من أهل العلم.
* فمنهم من قال1: هو الطرب2 والنَّشأة.
* ومنهم من قال: هو زوال الهموم، وانكشاف السر المكتوم3.
* ومنهم من قال بغير ذلك مما هو في الحقيقة راجع إليه4.
__________
1 انظر: بلغة السالك 1/ 47، الشرح الكبير للدردير 1/ 50، حاشية العدوي 2/ 303.
2 الطرب: الفرح والحزن، وقال بعضهم: خفَّة تعتري الإنسان عند شدة الفرح أو الحزن أو الهم، وقال بعضهم: هو الحركة والشَّوق. ينظر: الصحاح 1/ 171، اللسان 1/ 557، القاموس 1/ 151، مادة (طرب) ، المصباح 37.
3 نُقِل هذا عن الشافعي- رحمه الله-، وهو قول بعض الحنابلة. وانظر: زهر العريش للزركشي 103، مغني المحتاج 3/ 279، فتح الوهاب 2/ 72 الإنصاف 8/ 436.
4 سيذكر المصنف- رحمه الله- بعد قليل تعريف السكر عند أبي حنيفة وصاحبيه، والشافعي نقلا عن كتاب التعريفات.
أما تعريف السكر عند المالكية:
فقال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن 1/ 434:
السُّكْر: عبارة عن حبس العقل عر التصرف على القانون الذي خلق عليه في الأصل من النظام والاستقامة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} (الحجر: من الآية15) ؛ أي حبست عن تصرفها المعتاد لها، ومنه سَكْر الأنهار، وهو محبس مائها، فكل ما حبس العقل عن التصرف فهو سكر.
وقال القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن 5/ 204:
وحُكِى عن مالك: إذا تغيَّر عقله عن حال الصحة، فهو سكران.
وأما الحنابلة فحد السكران عندهم، هو: من يخلط في كلامه وقراءته، ولا يعرف رداءه من رداء غيره، ولا نعله من نعل غيره، ويسقط تمييزه بين الأعيان؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: من الآية43) ، فجعل علامة زوال السُّكر علمَه ما يقول. ينظر: المغني 10/ 348، المبدع 7/ 253، المطلع 373.
وقال القاضي أبو يعلى في كتابه الأحكام السلطانية 270:
حد السُّكر: هو الذي يجمع بين اضطراب الكلام فهمًا وإفهامًا، وبين اضطراب الحركة مشيًا وقيامًا، فيتكلم بلسان منكسر، ومعنى غير منتظم، ويتصرف بحركة مختبط، ومشي متمايل.
وقال العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتابه مدارج السالكين 3/ 287:
السُّكر لذة ونشوة يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز، فلا يعلم صاحبه ما يقول، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء: من الآية43) ، فجعل الغاية التي يزول بها حكم السُّكر: أن يعلم ما يقول، فإذا علم ما يقول خرج عن حد السُّكر، قال الإمام أحمد: السكران من لم يعرف ثوبَه من ثوب غيره، ونعله من نعل غيره.

الصفحة 130