كتاب البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر

التفتير- من الأنواع التي لا نعرفها- توجه الحكم بتحريم ذلك النوع بخصوصه.
وهكذا إذا كان يضر بعض الطباع من دون إسكار وتفتير، حرم لإضراره، وإلا فالأصل الحل كما يدل على ذلك عمومات القرآن والسنة1.
__________
1 قد أفتى العلماء السابقون على الشوكاني، والذين أتوا بعده، بحرمة القات، وبينوا أضراره، ومنعوا من تناوله وأكله، فقد أفتى الشيخ حمزة الناشري اليمني (ت 926 هـ) بحرمته، وكتب في ذلك منظومة ضمنها أضرار القات ومساوءه، وكتب الفقيه أبو بكر بن إبراهيم المقري الحرازي اليمني (ت 965 هـ) ، رسالة في تحريم القات، وصنف ابن حجر الهيتمي الرسالة التي ذكرها المصنف، ذكر فيها الأدلة على تحريم القات.
ثم توالت الرسائل والفتاوى من العلماء الأفاضل نصَّت جميعها على تحريمه، وكتب الشيخ حافظ الحكمي (ت 1377 هـ) ، منظومة بعنوان (نصيحة الإخوان عن تعاطي القات والشمة والدخان) ، وكتب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت 1389هـ) رسالة في تحريم القات، جاء فيها قوله رحمه الله: وحيث إن هذه مسألة حادثة الوقوع، والحكم عليها يتوقف على معرفة خواص هذه الشجرة، وما فيها من المنافع والمضار، وأيهما يغلب عليها بموجبه، وحيث إننا لا نعرف حقيقتها لعدم وجودها لدينا فقد تتبعنا ما أمكننا العثور عليه من كلام العلماء فيها فظهر لنا بعد مزيد البحث والتحري، وسؤال من يعتد لقولهم من الثقات أن المتعيّن فيها المنع من تعاطي زراعتها، وتوريدها، واستعمالها، لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار في العقول، والأديان، والأبدان، ولما فيها من إضاعة المال، وافتتان الناس بها، ولما اشتملت عليه من الصَّدِّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، فهي شرّ ووسيلة لعدة شرور والوسائل لها حكم الغايات، وقد ثبت ضررها، وتفتيرها، وتخديرها، بل وإسكارها، ولا التفات لقول من نفى ذلك، فإن المثبت مقدَّم على النافي، فهاتان قاعدتان من قواعد الشريعة الأصولية تؤيدان القول بتحريمها، وقياسًا لها على الحشيشة المحرمة؛ لاجتماعهما في كثير من الصفات، وليس بينهما تفريق عند أهل التحقيق ... ثم ساق الأدلة على تحريمها.
وقد اتفق العلماء المعاصرون على تحريمه، إذ صدر قرار المشاركين في (المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات) المنعقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (27- 30/ 5/ 01402هـ) ، بشأن القات، فجاء في التوصية التاسعة عشرة: [يقرر المؤتمر بعد استعراض ما قُدِّم إليه من بحوث حول أضرار القات الصحية، والنفسية، والخلقية، والاجتماعية، والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعا، ولذلك فإنه يوصي الدول الإسلامية بتطبيق العقوبة الإسلامية الشرعية الرادعة، على من يزرع، أو يروج، أو يتناول هذا النبات الخبيث] .
يقول الشيخ محمد المجذوب معلقا على هذا القرار: وما أراني مبالغا إذا قلت بأن في هذا القرار. نوعا من الإجماع الملزم للمسلم، إذ هو منبثق من التوافق التام بين الدين والعلم؛ لأن المقرِّين له صفوة من فقهاء ومفكري العالم الإسلامي على امتداده، وعلى اختلاف مذاهبه، فمن حقه على أهل العلم أن يتلقوه بالقبول والرضا؛ لأنه حَسَمَ كل خلاف بينهم في شأن هذه المادة التي استهوت الكثيرين منهم حتى جعلتهم أسوة غير حسنة لعامة الناس.
هذا وقد أثبتت الدراسات والتقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث الطبية، والتي أصدرها العلماء المتخصصون أن استعمال وتعاطي القات يؤدي إلى الإصابة بكثير من الأمراض، وأن الإدمان عليه لفترات طويلة يؤدي إلى الإصابة بالهلوسة والجنون، فضلا عن الساعات الطويلة المهدرة التي تستغرقها جلسات التخزين، والتي تؤدي إلي إصابة المجتمع بالشلل شبه التام، مما يؤدي إلى إلحاق الأضرار الاقتصادية بالمجتمع، وتعطيل المصالح.
وانظر في تحريم القات وبيان أضراره: تحذير الثقات عن استعمال القات، الزواجر 1/ 354، فتوى في حكما أكل القات للشيخ ابن إبراهيم، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (العدد السابع والخمسون) ص 319، أضرار تعاطي المخدرات 30، الأضرار الصحية للمخدرات. للدكتور البار 48، المخدرات والمؤثرات العقلية 94.

الصفحة 170