كتاب ثقة المسلم بالله تعالى في ضوء الكتاب والسنة

وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬1).
ومن لطائف ما ذُكر في تفسير هذه الآية ما أورده ابن كثير رحمه الله: «ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمطار؛ ولهذا قال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أي: لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تؤخر شيئاً لغد، {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء، قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬2).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: «يا بن عمر، مالك لا تأكل؟» قال: قلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: «لكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك قيصر وكسرى فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟». قال: فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬3). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا بإتباع الشهوات، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارًا
¬_________
(¬1) سورة العنكبوت، الآية: 60.
(¬2) سورة هود، الآية: 6.
(¬3) سورة العنكبوت، الآية: 60.

الصفحة 79