كتاب الانتصار للسلف الأخيار

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله في «الموافقات» (1/ 74 - 76) في معرض بيانه لطرق أخذ العلم عن أهله:
« ... أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛ فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك التجربة والخبر:
أما التجربة: فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما بلغه المتقدم. وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري، فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد، فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومن طالع سِيَرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى.
وأما الخبر: ففي الحديث: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (¬1). وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض» (¬2). ولا يكون هذا إلا مع قلة الخير، وتكاثر الشر شيئًا بعد شيء، ويندرج ما نحن فيه تحت الإطلاق. وعن ابن مسعود أنه قال: «ليس عام إلا الذي بعده شر منه، لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب
¬__________
(¬1) متفق عليه. وقد سبق تخريجه قريبًا، ولكن بلفظ: «خير الناس قرني».
(¬2) أخرجه: أحمد (4/ 273)، والطيالسي (439) بمعناه من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
انظر ((الصحيحة)) (رقم: 5).

الصفحة 17