كتاب الانتصار للسلف الأخيار

• فإذا تقرر ذلك تبين أن جزم الدكتور بهذا الإحصاء غير سائغ، وليس من شيم أهل العلم الجزم بمثل هذا من الأمور الاجتهادية، لا سيما إذا لم يكن للعالم سلف له في ذلك.
قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (33/ 41 - 42).
«ولهذا كان الصحابة إذا تكلموا باجتهادهم ينزهون شرع الرسول صلى الله عليه وسلم من خطئهم وخطأ غيرهم، كما قال عبد الله ابن مسعود في المفوضة: أقول فيها برأيي؛ فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. وكذلك روي عن الصديق في الكلالة، وكذلك عن عمر في بعض الأمور، مع أنهم كانوا يصيبون فيما يقولونه على هذا الوجه حتى يوجد النص موافقا لاجتهادهم، كما وافق النص اجتهاد ابن مسعود وغيره. وإنما كانوا أعلم بالله ورسوله وبما يجب من تعظيم شرع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضيفوا إليه إلا ما علموه منه، وما أخطؤوا فيه -وإن كانوا مجتهدين- قالوا: إن الله ورسوله بريئان منه ... » اهـ.
• ولا أظن الدكتور سيصر على القطع بأن هذه الأسماء التي أحصاها هي الأسماء التسعة والتسعون إلا إذا كان يرى أنه معصوم وأن اجتهاده لا يقبل الخطأ. ولقد ذكرني ذلك بالمناظرة التي جرت بين أبي سعيد السيرافي وأبي بشر متَّى بن يونس، وكان متَّى قد أراد أن يعلي من شأن منطق اليونان وثقافتهم، فكان مما قال له أبو سعيد:
«إن علم العالَم مبثوث في العالَم بين جميع مَن في العالم؛ لهذا قال القائل:
العلم في العالم مبثوث .... ونحوَه العاقلُ محثوث

الصفحة 46