كتاب الانتصار للسلف الأخيار

ثانيا -من الأخطاء في النقل السابق-: قوله: «وشأنه في ذلك شأن القراءة الشاذة ... ».
قلت:
مَن الذي قال: إن الموقوف الذي له حكم الرفع شأنه شأن القراءة الشاذة؟ ! بل إن الحديث الموقوف الذي له حكم الرفع يختلف تماما عن القراءة الشاذة؛ فالحديث الموقوف الذي له حكم الرفع لا أعلم خلافا في حجيته ووجوب العمل به -كما أوضحتُ سابقا- أما القراءةُ الشاذة فقد اختلف العلماء في حجيتها، وذهب جمع منهم إلى عدم حجيتها وعدم جواز العمل بها (¬1).
فالدكتور فيما سبق يفرق بين المتماثلين، وذلك في ادعائه أن الحديث الموقوف الذي له حكم الرفع ليس هو كالمرفوع، وهو هنا يسوي بين المختلفين (وقد نفى الله سبحانه عن حكمه وحكمته التسوية بين المختلفين في الحكم، فقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36] فأخبر أن هذا حكم باطل في الفطر والعقول، لا تليق نسبته إليه سبحانه. وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]، وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]. أفلا تراه
¬__________
(¬1) انظر: «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (1/ 228)، و «مذكرة في أصول الفقه» للشنقيطي (ص: 67 - 68).

الصفحة 55