كتاب الانتصار للسلف الأخيار

أن هذا الاحتمال بعيد- لبيَّن ذلك الحفاظ في كتب العلل، ولم يتركوا هذا الحديث يمر هكذا -إن شاء الله-. وإليك مثالًا واحدًا يوضح ذلك:
قال الإمام ابن أبي حاتم في «العلل» (107):
«سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح».
قال أبي: هذا وهم، اختصر شعبة متن هذا الحديث، فقال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح».
ورواه أصحاب سهيل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحًا من نفسه، فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» اهـ.
قلت: فهذا الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله قد بين أن شعبة -وهو أحد الحفاظ الثقات الأكابر- قد وهم واختصر متن هذا الحديث ورواه بالمعنى، ولم يمنعه حفظ شعبة وثقته وإتقانُه مِن أن يُدَقِّق في الحديث ويكتشف هذا الخطأ. وهذا الحديث في أمر من أمور الفقه كما هو ظاهر، فلو كان مكان شعبة راوٍ آخر غير تام الضبط وروى حديثًا في أمر من أمور العقيدة خاصة في باب إثبات الأسماء الحسنى ولم يضبطه تمام الضبط، أما كان الإمام أبو حاتم الرازي وغيرُه مِن نُقَّاد الحديث مثل: أبي زُرعة الرازي وأحمد بن حنبل والبخاري وابن المديني وأبي داود والنسائي والدارقطني وغيرهم - يبينون خطأ هذا الراوي ويردون الحديث عليه؟ !

الصفحة 66