كتاب الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

إلا أن ابن حجر رحمه اللَّه ذهب إلى حرمة المداهنة مطلقًا، فقال: "وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط؛ لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها: معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه" (¬1).
ولعل الراجح القول بحرمة المداهنة مطلقًا، لارتباطها بالنية وهي لا سلطة للمستضِعف أو المُكرِه عليها.
قال ابن العربي رحمه اللَّه: "وحقيقة الإدهان إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة، فإن كانت المقاربة بالدين فهي مداهنة، وإن كانت مع سلامة الدين فهي: مداراة، أي: مدافعة" (¬2)، ويظهر لي أن صور المداهنة التي قال بعض الفقهاء بجوازها إنما هي من باب المداراة، كما أطلق الكذب على المعاريض بناء على ما يظهر للسامع.
* * *
¬__________
(¬1) فتح الباري، 10/ 528 - 529.
(¬2) أَحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، 4/ 305.

الصفحة 406