كتاب العقود المضافة إلى مثلها

القول الأول: أنها مندوبة، وهو مذهب جمهور العلماء (¬1).
القول الثاني: أنها واجبة إذا كان السائل محتاجًا ووثق بوفائه، وهو قول ابن حزم (¬2) وابن القيم (¬3)، فالعبرة بحال المستعير.
القول الثالث: أنها تجب مع غنى المالك، وهو أحد القولين في مذهب أحمد واختيار أبي العباس ابن تيمية (¬4)، فالعبرة بحال المعير.
الأدلة: وهي قسمان أدلة عدم الوجوب -الاستحباب أو الجواز- وأدلة الوجوب.
أدلة جواز العارية واستحبابها:
الدليل الأول: قول الله - عز وجل -: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الحج: (77)، وقوله -جل جلاله-: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء: (114)، والعارية من الخير والمعروف والإحسان.
الدليل الثاني: عن جابر وحذيفة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل معروف صدقة» (¬5).
الدليل الثالث: عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس يُسمع دوي صوته ولا يُفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام ... قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة. قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوّع» (¬6).
وجه الاستدلال: أنه لو كانت العارية واجبة عليه لبيَّنه - صلى الله عليه وسلم -، وأكد عدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا إلا أن تطوع» فدل على أنها من التطوع.
¬__________
(¬1) الاختيار 3/ 55، مجمع الأنهر 2/ 346، مواهب الجليل 7/ 296، حاشية الدسوقي 3/ 433، حاشيتا قليوبي وعميرة 3/ 17، البجيرمي على الخطيب 3/ 488، المغني 7/ 340، تجريد العناية ص 92، ونصَّ المالكية على أن الوجوب يعرض لها كغني عنها لمن يخشى بعدمها هلاكه. مواهب الجليل 7/ 297، بلغة السالك 2/ 205، فالأصل استحبابها.
(¬2) المحلى 9/ 168 - 169.
(¬3) إعلام الموقعين 3/ 286.
(¬4) المغني 7/ 340، الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية ص 231، الفروع 7/ 197، الإنصاف 15/ 67.
(¬5) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة (8/ 11) (ح 6021) من حديث جابر - رضي الله عنه -، ومسلم، كتاب الزكاة (3/ 82) (ح 2328) من حديث حذيفة - رضي الله عنه -، ورواه البيهقي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - كتاب العارية (6/ 88) وفيه: (وكنا نعد المعروف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدر والدلو وأشباه ذلك) ورواه أبوداود -كما سيأتي إن شاء الله- بلفظ: (الماعون) بدل (المعروف).
(¬6) الطاء مخففة في "اليونينية" في المواضع الثلاثة من الحديث، وقال في "الفتح" بالتشديد وجواز التخفيف، وقال النووي في التشديد: (وهو المشهور)، وكلاهما صحيح. رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (1/ 18) (ح 46)، ومسلم، كتاب الإيمان (1/ 31) (ح 100).

الصفحة 188