كان عقد تبرعٍ محضٍ أو تبرعٍ متبادَلٍ يغتفر فيه الغرر فهو تأمين تعاوني حقيقي، وعلى ضوء ذلك ينظر في الحالات المعينة بغض النظر عن مسمياتها (¬1).
ومن أبرز أدلة إباحة التأمين التعاوني حديث أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأشعريِّين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم» (¬2).
وجه الدلالة: أن دفع الأشعريين لما عندهم تبرع، واقتسامه فيما بينهم مواساة، وذلك عند وقوع خطر محتمل، فلما كان القصد منه الإحسانَ وليس المعاوضةَ اغتفر فيه الغرر والتفاضل بين ما يدفعه وما يأخذه كل واحدٍ منهم، ومن جهة أخرى فإن فيه تبرعًا في مقابل تبرع أو تبرع مشروط بتبرعٍ شرطًا عرفيًا، ولم يجعله ذلك في حكم المعاوضة؛ لأن المقصود منه التعاون لا الربح (¬3).
أما التأمين التجاري فاختلف فيه على أقوال أشهرها ثلاثة:
القول الأول: التحريم مطلقًا.
وهو قول جمهور العلماء، منهم ابن عابدين (¬4)، وقرار المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة (¬5)، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (¬6)، والمجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة بمكة (¬7)، ومجمع الفقه الإسلامي الدَّولي المنبثق من المنظمة بجدة (¬8)،
¬__________
(¬1) ينظر: العقود المالية المركبة ص 298 - 299.
(¬2) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض ... (3/ 138) (ح 2486)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم - (7/ 171) (ح 6408).
(¬3) وينظر في أدلته وأسس العمل به فتاوى اللجنة الدائمة 15/ 287 - 292، المعايير الشرعية ص 437، البند رقم 5.
(¬4) حاشية ابن عابدين 6/ 268 - 269، ويصحَّح في ص 269: (قلت: ليست مسألتنا من هذا) سقطت كلمة (ليست)، مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 177، وابن عابدين (ت 1250/ 1836 م) من علماء الحنفية، وقد نص على التحريم بقوله: (لا يحل) واشتهر عنه ذلك، وبعض المبيحين للتأمين التجاري يقول: (فأجاب بجوابٍ خلاصته الكراهة) ولا داعي لهذا، كان بالإمكان أن ينقل قوله أو يختصره بأمانة ثم يبّين ما يراه بدليله، وما ذكره ابن عابدين من تفصيلٍ بعد نصه على المنع متعلق بمعاملة الحربيين، وتعود نشأة التأمين العالمي لعام 1666 م، ينظر في تاريخ التأمين ونشأته: عقود التأمين ص 11 - 13، التأمين الاجتماعي ص 220 - 224، الربا والمعاملات المصرفية ص 404، المعاملات المالية المعاصرة ص 88، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 370، من أجل تأمين إسلامي ص 11 - 16.
(¬5) المنعقد عام 1396، فقه النوازل للجيزاني 3/ 267، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 380، القمار حقيقته وأحكامه ص 495.
(¬6) قرار رقم 5/ 10، بتاريخ 4/ 4/1397، أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 306.
(¬7) في دورته الأولى بتاريخ 10/ 8/1398، فقه النوازل 3/ 275، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 380.
(¬8) القرار رقم 9 (9/ 2) بتاريخ 10 - 16/ 4/1406، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 2 ج 2 ص 731.