المبحث الرابع: مضاربة المضارب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف المضاربة وحكمها.
تعريف المضاربة
المضاربة في اللغة مفاعلة من الضَّرْب، فحقيقته اللغوية إيقاع الضرب (¬1)، وله معانٍ أخرى أوفقها للمعنى الاصطلاحي معنيان: أولهما: الضرب بمعنى الكسب، وثانيهما: ضَرَبَ في الأرض أي خرج تاجرًا أو غازيًا، وقيل: سار في ابتغاء الرزق، قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} المزمل: (20) وقال - عز وجل -: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} النساء: (101) أي سافرتم، وضارب له: اتجر له في ماله، كما عُرفت المضاربة في المعاجم اللغوية تعريفًا اصطلاحيًا، كما في "اللسان" وغيره: أن تعطي إنسانًا من مالك ما يتّجرُ فيه على أن يكون الربح بينكما، أو يكون له سهمٌ معلومٌ من الربح (¬2)، وقد يكون معناه اللغوي هو الشرعي.
والمضاربة في الاصطلاح:
1 - عند الحنفية: عقد شركةٍ في الربح بمالٍ من جانب وعملٍ من جانب (¬3).
وبيّن ابن عابدين أن المال من جانب ربه والعمل من المضارب (¬4).
2 - عند المالكية: توكيلٌ على تَجْرٍ في نقدٍ مضروبٍ مسلمٍ بجزءٍ من ربحه (¬5).
وقال ابن عرفة: تمكينُ مالٍ لمن يتجر به بجزءٍ من ربحه لا بلفظ الإجارة (¬6).
3 - عند الشافعية: أن يدفع إليه مالًا؛ ليتجر فيه والربح مشترك (¬7).
4 - عند الحنابلة: أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما (¬8) كالشافعية، وعرفها به ابن جزي الكلبي (¬9)، وأُورد على هذين التعريفين في قولهم (أن يدفع) أن المضاربة ليست ذات
¬__________
(¬1) مقاييس اللغة، مادة ضرب 3/ 398.
(¬2) لسان العرب، مادة ضرب 2/ 32، القاموس المحيط، مادة ضرب ص 108، المطلع ص 312، فائدة: في حاشية ابن عابدين 6/ 398 أنه اشتهر أن صاحب القاموس يذكر المعاني العرفية مع المعاني اللغوية.
(¬3) خلاصة الدلائل 1/ 481، حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 349، واختاره بعض المعاصرين. السلم والمضاربة ص 159.
(¬4) حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 349.
(¬5) مختصر خليل مع مواهب الجليل 7/ 439، وينظر: عقد المضاربة، دراسة في الاقتصاد الإسلامي ص 31،32، المضاربة في الشريعة الإسلامية ص 28.
(¬6) الفواكه الدواني 2/ 190.
(¬7) المنهاج مع نهاية المحتاج 5/ 157، ومع مغني المحتاج 3/ 376.
(¬8) المقنع مع الشرح الكبير 14/ 54، الكافي 2/ 267.
(¬9) القوانين الفقهية ص 305، قال: (وصفته)، قد لايريد به الحد.