كتاب مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

الِاسْمِ مُخْتَلِفًا فِي الطَّعْمِ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجنة إلا الأسامي.
قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا} [البقرة: 25] في الجنان {أَزْوَاجٌ} [البقرة: 25] نساء وجوار، يَعْنِي: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، {مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ وَكُلُّ قذر، وَقِيلَ: مُطَهَّرَةٌ عَنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25] دَائِمُونَ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يخرجون منها.

[قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا] بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا
[26] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: 26] يذكر شبها، {مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] مَا: صِلَةٌ، أَيْ: مَثَلًا بِالْبَعُوضَةِ، وبعوضة: نَصْبُ بَدَلٍ عَنِ الْمَثَلِ، وَالْبَعُوضُ صغار البق، سميت بعوضة لأنها كانت بعض البق، {فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] يَعْنِي: الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: فَمَا دُونَهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 26] بمحمد والقرآن، {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ} [البقرة: 26] يعني: المثل هو {الْحَقُّ} [البقرة: 26] الصِّدْقُ {مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة: 26] أَيْ: بِهَذَا الْمَثَلِ، فَلَمَّا حَذَفَ الألف واللام نصب عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26] من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فيزدادون ضلالاً، {وَيَهْدِي بِهِ} [البقرة: 26] أي بهذا المثل {كَثِيرًا} [البقرة: 26] من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: هُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ، {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [الْبَقَرَةِ: 26] الْكَافِرِينَ، وَأَصْلُ الْفِسْقَ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
[27] {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ} [البقرة: 27] يُخَالِفُونَ وَيَتْرُكُونَ، وَأَصْلُ النَّقْضِ: الْكَسْرُ، {عَهْدَ اللَّهِ} [البقرة: 27] أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ بِقَوْلِهِ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الْأَعْرَافِ: 172] وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 81] الْآيَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم وَيُبَيِّنُوا نَعْتَهُ، {مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27] تَوْكِيدِهِ، وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ، {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة: 27] يَعْنِي: الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السلام وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْأَرْحَامَ، {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 27] بِالْمَعَاصِي وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم وبالقرآن، {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27] الْمَغْبُونُونَ.
ثُمَّ قَالَ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ:
[28] {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] ؟ بعد نصب الدلائل ووضوح البرهان.
ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ فَقَالَ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} [البقرة: 28] نُطَفًا

الصفحة 23