كتاب مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

{نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13] قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ النَّصْرُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَفَتْحُ مَكَّةَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ فَتْحَ فَارِسَ وَالرُّومِ.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13] يَا مُحَمَّدُ بِالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ حَضَّهُمْ على نصرة الدِّينِ وَجِهَادِ الْمُخَالِفِينَ.
[14] فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} [الصف: 14] أَيِ انْصُرُوا دِينَ اللَّهِ مِثْلَ نُصْرَةِ الْحَوَارِيِّينَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] أَيْ مَنْ يَنْصُرُنِي مَعَ اللَّهِ، {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} [الصف: 14] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا رُفِعَ تَفَرَّقَ قَوْمُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ قَالُوا: كَانَ اللَّهَ فَارْتَفَعَ، وَفِرْقَةٌ قَالُوا: كَانَ ابن الله فرفعه إِلَيْهِ، وَفِرْقَةٌ قَالُوا: كَانَ عَبْدَ الله ورسوله فرفعه الله إِلَيْهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَاتَّبَعَ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَاقْتَتَلُوا فَظَهَرَتِ الْفِرْقَتَانِ الْكَافِرَتَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَتِ الْمُؤْمِنَةُ عَلَى الْكَافِرَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 14] غَالِبِينَ، وَرَوَى مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: فَأَصْبَحَتْ حُجَّةُ مِنْ آمَنَ بِعِيسَى ظَاهِرَةً بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ.

[سُورَةُ الْجُمُعَةِ]
[قوله تعالى يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ] الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. . .
(62) سورة الجمعة
[1 - 2] {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [الجمعة: 1 - 2] يَعْنِي الْعَرَبَ كَانَتْ أُمَّةً أُمِّيَّةً لَا تَكْتُبُ وَلَا تَقْرَأُ {رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نسبُه نسبُهم، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2] أَيْ مَا كَانُوا قَبْلَ بِعْثَةِ الرَّسُولِ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يعبدون الأوثان.
[3] {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} [الجمعة: 3] أي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَدِينُونَ بِدِينِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا صَارُوا مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ العجم وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: هُمُ التَّابِعُونَ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمْ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] أَيْ لَمْ يُدْرِكُوهُمْ وَلَكِنَّهُمْ يَكُونُونَ بَعْدَهُمْ.
وَقِيلَ: لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أَيْ فِي الْفَضْلِ وَالسَّابِقَةِ لِأَنَّ التَّابِعِينَ لَا يُدْرِكُونَ شَأْوَ الصَّحَابَةِ {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: 3]
[4] {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة: 4] يَعْنِي الْإِسْلَامَ وَالْهِدَايَةَ {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 4]
[5] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ} [الجمعة: 5] أَيْ كُلِّفُوا الْقِيَامَ بِهَا وَالْعَمَلَ بِمَا فِيهَا، {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة: 5] لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا وَلَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهَا، {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] أَيْ كُتُبًا مِنْ الْعِلْمِ وَاحِدُهَا سِفْرٌ، قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الْكُتُبُ

الصفحة 951