كتاب لسان العرب (اسم الجزء: 13)

قَوْلِهِ هَذَا وَزْنُ هَذَا، وإِن لَمْ يَكُنْ مَا يُوزَنُ، وتأْويله أَنه قَدْ قَامَ فِي النَّفْسِ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ كَمَا يَقُومُ الوَزْنُ فِي مَرْآةِ الْعَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الميزانُ الْكِتَابُ الَّذِي فِيهِ أَعمال الخَلْق؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي بَابِ اللُّغَةِ وَالِاحْتِجَاجُ سائغٌ إِلا أَن الأَولى أَن يُتَّبَعَ مَا جَاءَ بالأَسانيد الصِّحَاحِ، فإِن جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنه مِيزانٌ لَهُ كِفَّتانِ، مِنْ حَيْثُ يَنْقُلُ أَهلُ الثِّقَة، فَيَنْبَغِي أَن يُقْبل ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً
. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي الْعَرَبُ تَقُولُ مَا لِفُلَانٍ عِنْدِي وَزْنٌ أَي قَدْرٌ لِخِسَّتِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ خِفّةُ مَوَازينهم مِنَ الحَسَنات. وَيُقَالُ: وَزَنَ فلانٌ الدراهمَ وَزْناً بِالْمِيزَانِ، وإِذا كَالَهُ فَقَدْ وَزَنَه أَيضاً. وَيُقَالُ: وَزَنَ الشَّيْءَ إِذا قدَّره، وَوَزَنَ ثَمَرَ النَّخْلِ إِذا خَرَصَه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنِ السَّلَفِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ، قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْزَرَ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ الحَزْر وَزْناً لأَنه تَقْدِيرٌ وخَرْصٌ؛ وَفِي طَرِيقٍ أُخرى:
نَهَى عَنْ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَن تُوزَنَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
حَتَّى تُوزَنَ
أَي تُحْزَرَ وتُخْرَصَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: سَمَّاهُ وَزْناً لأَن الْخَارِصَ يَحْزُرُها ويُقَدِّرُها فَيَكُونُ كَالْوَزْنِ لَهَا، قَالَ: وَوَجْهُ النَّهْيِ أَمران: أَحدهما تَحْصِينُ الأَموال «1». وَالثَّانِي أَنه إِذا بَاعَهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّلاح بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَقَبْلَ الخَرْص سَقَطَ حُقُوقُ الْفُقَرَاءِ مِنْهَا، لأَن اللَّهَ تَعَالَى أَوجب إِخراجها وَقْتَ الْحَصَادِ، وَاللَّهُ أَعلم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
؛ الْمَعْنَى وإِذا كَالُوا لَهُمْ أَو وَزَنُوا لَهُمْ. يُقَالُ: وَزَنْتُ فُلَانًا ووَزَنْتُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا يَزِنُ دِرْهَمًا ودرهمٌ وازِنٌ؛ وَقَالَ قَعْنَبُ بْنُ أُمِّ صَاحِبٍ:
مثْل العَصافير أَحْلاماً ومَقْدُرَةً، ... لَوْ يُوزَنُون بِزِفّ الرِيش مَا وَزَنُوا
جَهْلًا عَلَيْنَا وجُبْناً عَنْ عَدُوِّهِم، ... لبِئْست الخَلَّتانِ: الجَهْلُ والجُبُنُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِهِ شِبْهُ الْعَصَافِيرِ. ووازَنْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مُوَازَنَةً ووِزاناً، وَهَذَا يُوازِنُ هَذَا إِذا كَانَ عَلَى زِنَتِه أَو كَانَ مُحاذِيَهُ. وَيُقَالُ: وَزَن المُعْطِي واتَّزَنَ الآخِذُ، كَمَا تَقُولُ: نَقَدَ المُعْطِي وانْتَقَد الآخذُ، وَهُوَ افْتَعَلَ، قَلَبُوا الْوَاوَ تَاءً فأَدغموا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
؛ جَرَى عَلَى وَزَنَ، مَنْ قَدّر اللهُ لَا يُجَاوِزُ مَا قدَّره اللَّهُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ خَلْقٌ زيادةٌ فِيهِ وَلَا نُقْصَانًا، وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
أَي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُوزَنُ نَحْوُ الْحَدِيدِ والرَّصاص وَالنُّحَاسِ والزِّرْنيخ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وَفِي النِّهَايَةِ: فَسَّرَ المَوْزونَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن هَذِهِ الْجَوَاهِرَ كلَّها مِمَّا يوزَنُ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ والنُّحاس والثَّمَنَيْنِ، أَعني الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، كأَنه قَصَدَ كُلَّ شَيْءٍ يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
أَنه القَدْرُ الْمَعْلُومُ وَزْنُه وقَدْرُه عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. والمِيزانُ: المِقْدار؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لقائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ، ... عِنْدي لِكُلِّ مُخاصِمٍ ميزانُه
وَقَامَ مِيزانُ النَّهَارِ أَي انْتَصَفَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِه وزِنَةَ عَرْشِه
أَي بوَزْن عَرْشِه فِي عَظِمَ قَدْره، مَنْ وَزَنَ يَزِنُ وَزْناً وزِنَةً كوَعَدَ عِدَةً، وأَصل الْكَلِمَةِ الْوَاوُ، وَالْهَاءُ فيها عوض من
__________
(1). قوله [تحصين الأَموال] وذلك أنها في الغالب لا تأمن العاهة إلا بعد الإدراك وذلك أوان الخرص

الصفحة 447