كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 13)

الآخر يزني قبل: إن يثبت له الإحصان فيلزمه الرجم، ولأن الإحصان موضع كمال فأشرط فيه وطء يوجد في حالة الكمال وهو بعد وجود هذه الشرائط.
فرع آخر
إذا قلنا بالقول الصحيح فهل يعتبر الكمال في الطرفين أم يعتبر في كل واحد منهما كمال نفسه دون صاحبه؟ اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه قال القاضي أبو حامد: قال الشافعي في "الإملاء": وطء الصبي الذي يجامع مثله كوطء الكبير في الحرمة إلا في شيئين في أن لا يحلها الزوج، ولا يحصنا قال: وجعل الشافعي في القديم المرأة محصنة بوطء الصبي الذي يجامع مثله وجعل الرجل محصنًا إذا وطئ صبية يجامع مثلها محللًا للزوج إن كان طلقها وقال فيه: وكل وطء قام بنكاح حلال أحصن البالغ من الزوجين كما يقع به الحدود على المجامع أو المجامعة، ألا ترى أن المرأة يجامعها العبد أو المعتوه فترجم، وإن لم يكن على الواطئ رجم؟ قال: ويجامع الأمة المعتوهة فيرجم، وإن لم يكن عليها رجم، فجعل قولان: أحدهما: الكمال يعتبر في الطرفين وهذا أضعف القولين [8/ب] وبه قال أبو حنيفة. والثاني: لا يعتبر كمال صاحبه وإنما يعتبر كمال نفسه وهو الصحيح المشهور وهو قول الزهري ووجهه أن حر بالغ عاقل وطئ في نكاح صحيح فصار محصنًا كما لو كانا كاملين. واحتج أبو حنيفة أن أحدهما إذا كان ناقصًا فالوطء غير كامل فأشبه إذا كانا ناقصين، قلنا: في الأصل لم يوجد الكمال في واحد منهما وهاهنا بخلافه فيعتبر كل واحد منهما بنفسه لا بصاحبه كما لو كان أحدهما بكرًا والآخر محصنًا. وقال أبو حامد: إذا كانت الموطوءة أمته والواطئ حرًا عاقلًا بالغًا محصنًا قولًا واحدًا، وكذلك العبد إذا وطئ حرة بالنكاح صارت محصنة، وإذا كان غير بالغ ففيه قولان قال في "الأم": يصير الكامل محصنًا دون الآخر، وقال في "الإملاء": لا يكون أحدهما محصنًا، وسائر أصحابنا ذكروا القولين في الكل ولم يميزوا الرق من الصغير. وما حكاه القاضي أبو حامد على ما ذكرنا يدل على اختلاف قوله في الصبي دون الرقيق، وقال القاضي الطبري: سوى الشافعي رضي الله عنه بين الإحلال وبين الإحصان في اعتبار الكمال في الطرفين على ما ذكرنا في "الإملاء" فيجب على هذا إذا اعتبرنا كمال الوطء في نفسه أن يسوي فيه بين الإحلال والإحصان، فإذا وطئ رجل صبية يجامع مثلها فلا تحل لزوجها الأول وهذا غريب لم يذكره سائر أصحابنا. [9/أ] وقال مالك: إذا كان أحدهما كاملًا صار محصنًا إلا الصبي يطأ الكبيرة فإنها لا تصير محصنة، ولو وطئ الكبير صغيرة يجامع مثلها صار محصنًا ودليله أن ما لا يمنع الإحصان إذا كان في الموطوءة لا يمنع إذا كان في الواطئ كالرق.
واعلم أن الشافعي اقتصر على ذكر الحرية والإصابة والبلوغ ولم يذكر العقل علمًا منه بأنه لا يفي اشتراط العقل في إيجاب العقوبات.

الصفحة 12