كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 13)

قال ابن عباس: قال النبي صَلى الله عَليه وسَلم: فلذلك سعى الناس بينهما.
فلما أشرفت على المروة، سمعت صوتا، فقالت: صه، تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضا، ثم قالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا بالملك عند موضع زمزم، يبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه هكذا، وتقول بيدها، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهي تفور بقدر ما تغرف.
قال ابن عباس: قال النبي صَلى الله عَليه وسَلم: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم، أو قال: لم تغرف من الماء، كانت زمزم عينا معينا.
قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله، يبنيه هذا الغلام وأَبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، تأخذ عن يمينه وشماله، فكانوا كذلك، حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء، فنزلوا بأسفل مكة، فرأوا طائرا حائما، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا، أو جريين، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، وأم إسماعيل صَلى الله عَليه وسَلم عند الماء، فقالوا: تأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم.
قال ابن عباس: قال النبي صَلى الله عَليه وسَلم: فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس.
فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربية منهم، أنفسهم وأعجبهم حين شب الغلام، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟ فقالت:

⦗٤٢١⦘
خرج يبتغي لنا، ثم سأل عن هيئتهم، وعن عيشهم؟ فقالت: نحن بشر، في ضيق وشدة، وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك، فاقريه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، كأنه أَنس شيئا، قال: فهل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألنا عن عيشنا، فأخبرته أنا في شدة وجهد، قال: أبي، أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذلك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها، ثم تزوج أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك، فلم يجده، فدخل على امرأته، فسأل عنه؟ قالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، قالت: بخير، ونحن في سعة، وأثنت على الله، قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صَلى الله عَليه وسَلم: يومئذ لم يكن حب، ولو كان لهم حب دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة، إلا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه مني السلام، وأمريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، قال: هل أتاك أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، وسألني عنك فأخبرته، وسألني عن عيشنا؟ فقلت: إنا بخير، قال: هل أوصاك بشيء؟ قالت: هو يقرأ عليك السلام، ويقول لك أن تثبت عتبة دارك، قال: ذلك أبي، وأنت العتبة، فأمرني أن أمسكك، ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك، وإسماعيل يبري نبلا له، تحت دوحة، قريب من زمزم، فلما رآه قام، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد،

الصفحة 420