فأرسلت إلى من حولها، إلى كل امرأة لها لبن، تختار له ظئرا، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه، لم يقبل على ثديها، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فأحزنها ذلك، فأمرت به فأخرج إلى السوق، ومجمع الناس، ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها، فلم يقبل، فأصبحت أُم موسى والها، فقالت لأخته: قصي أثره واطلبيه، هل تسمعين له ذكرا، أحي ابني أم أكلته الدواب، ونسيت ما كان الله وعدها فيه، فبصرت به أخته عن جنب، والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد، وهو إلى ناحية لا يشعر به ـ فقالت من الفرح، حين أعياهم الظؤورات: أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم، وهم له ناصحون، فأخذوها فقالوا: ما يدريك ما نصحهم؟ هل تعرفونه؟ حتى شكوا في ذلك، وذلك من الفتون يا ابن جبير، فقالت: نصيحتهم له، وشفقتهم عليه، رغبتهم في صهر الملك، ورجاء منفعة الملك، فأرسلوها، فانطلقت إلى أمها، فأخبرتها الخبر، فجاءت أمه، فلما وضعته في حجرها، ثوى إلى ثديها فمصه، حتى امتلأ جنباه ريا، وانطلق البشراء إلى امرأة فرعون يبشرونها، أن قد وجدنا لابنك ظئرا، فأرسلت إليها، فأتت بها وبه، فلما رأت ما يصنع، قالت: امكثي ترضعي ابني هذا، فإني لم أحب شيئًا حبه قط، قالت أُم موسى: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه، فأذهب
⦗٤٣٠⦘
به إلى بيتي، فيكون معي، لا آلوه خيرًا فعلت، فإني غير تاركة بيتي وولدي، وذكرت أُم موسى ما كان الله وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون، وأيقنت أن الله منجز موعوده، فرجعت إلى بيتها من يومها، فأنبته الله نباتا حسنا، وحفظ لما قد قضى فيه، فلم يزل بنو إسرائيل، وهم في ناحية القرية، ممتنعين من السخرة والظلم ما كان فيهم، فلما ترعرع، قالت امرأة فرعون لأُم موسى: أزيريني ابني، فوعدتها يوما تزيرها إياه فيه،