كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 13)

فخرج موسى متوجها نحو مدين، لم يلق بلاء قبل ذلك، وليس له علم، إلا حسن ظنه بربه تعالى، فإنه {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان} يعني بذلك حابستين غنمهما، فقال لهما: ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ فقالتا: ليس لنا قوة نزاحم القوم، وإنما ننتظر فضول حياضهم، فسقى لهما، فجعل يغترف في الدلو ماء كثيرا، حتى كان أول الرعاء، وانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما، وانصرف موسى، عليه السلام، فاستظل بشجرة، وقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} واستنكر أَبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا، فقال: إن لكما اليوم لشأنا، فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه، فأتت موسى فدعته، فلما كلمه {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} ليس لفرعون، ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته، فقالت إحداهما: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}، فاحتملته الغيرة على أن قال لها: ما يدريك ما قوته، وما أمانته؟ قالت: أما قوته، فما رأيت منه في الدلو، حين سقى لنا، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما الأمانة، فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه، وشخصت له، فلما علم أني امرأة، صوب رأسه فلم يرفعه، حتى بلغته رسالتك، ثم قال لي: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا الأمر إلا وهو أمين، فسري عن أبيها وصدقها، وظن به الذي قالت، فقال له: هل لك {أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}، ففعل، فكانت على نبي الله موسى ثماني سنين واجبة، وكانت سنتان عدة منه، فقضى الله عنه عدته، فأتمها عشرا.

الصفحة 432