فأرسل في المدائن، فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات، قالوا: فلا والله، ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل، وما أجرنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم: أنتم أقاربي وخاصتي، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم، فتواعدوا يوم الزينة، وأن يحشر الناس ضحى.
قال سعيد: فحدثني ابن عباس، أن يوم الزينة، اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، هو يوم عاشوراء، فلما اجتمعوا في صعيد، قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، يعنون موسى وهارون، استهزاء بهما، فقالوا: يا موسى، لقدرتهم بسحرهم، إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين؟ قال: بل ألقوا {فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون}، فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة، فأوحى الله إليه أن ألق عصاك، فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيما، فاغرة فاها، فجعلت العصا تلبس بالحبال، حتى صارت جرزا على الثعبان تدخل فيه، حتى ما أبقت عصا، ولا حبلا، إلا ابتلعته، فلما عرف السحرة ذلك، قالوا: لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا، ولكنه أمر من الله، وآمنا بالله، وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله مما كنا عليه، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأتباعه، وظهر الحق {وبطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} وامرأة فرعون بارزة، تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون، ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمها لموسى، فلما طال مكث موسى بمواعد فرعون الكاذبة، كلما جاءه بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا مضت أخلف موعده، وقال: هل يستطيع ربك أن