كتاب المسند المصنف المعلل (اسم الجزء: 13)

قال: يا رب، إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح، قال: أو ما علمت، يا موسى، أن ريح فم الصائم أطيب من ريح المسك، ارجع فصم عشرا، ثم ائتني، ففعل موسى، عليه السلام، ما أمره به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل، ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم، وقال: إنكم خرجتم من مصر، ولقوم فرعون عندكم عوار وودائع، ولكم فيهم مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا ما لكم عندهم، ولا أحل لكم وَديعة استودعتموها، ولا عارِيَّة، ولسنا برادين إليهم شيئًا من ذلك، ولا ممسكيه لأنفسنا، فحفر حفيرا، وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع، أو حلية، أن يقذفوه في ذلك الحفير، ثم أوقد عليه النار فأحرقه، فقال: لا يكون لنا، ولا لهم، وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جيران لبني إسرائيل، ولم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا، فقضي له أن رأى أثرا، فأخذ منه قبضة، فمر بهارون، فقال له هارون، عليه السلام: يا سامري، ألا تلقي ما في يدك، وهو قابض عليه، لا يراه أحد طوال ذلك، فقال: هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، فلا ألقيها لشيء، إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها، أن يكون ما أريد، فألقاها، ودعا له هارون، فقال: أريد أن تكون عجلا، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع، أو حلية، أو نحاس، أو حديد، فصار عجلا أجوف، ليس فيه روح، له خوار.
قال ابن عباس: لا والله، ما كان له صوت قط، إنما كانت الريح تدخل من دبره، وتخرج من فيه، فكان ذلك الصوت من ذلك، فتفرق بنو إسرائيل فرقا، فقالت فرقة: يا سامري، ما هذا؟ وأنت أعلم به، قال: هذا ربكم، ولكن موسى أضل الطريق، فقالت فرقة: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى، فإن كان ربنا، لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأينا، وإن لم يكن ربنا، فإنا نتبع قول موسى، وقالت فرقة: هذا عمل الشيطان، وليس بربنا، ولن نؤمن به، ولا

⦗٤٣٧⦘
نصدق، وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل، وأعلنوا التكذيب به، فقال لهم هارون: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرَّحمَن} قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما، ثم أخلفنا، هذه أربعون قد مضت؟ فقال سفهاؤهم: أخطأ ربه، فهو يطلبه ويتبعه،

الصفحة 436