كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 13)

نفي إنذارهم لا في نفي إنذار آبائهم، وآباؤهم القدماء من ولد إسماعيل، وكانت النذارة فيهم. فإن قلت: ففي أحد التفسيرين أن آباءهم لم ينذروا، وهو الظاهر، فما تصنع به؟ قلت: أريد آباؤهم الأدنون دون الأباعد. {الْقَوْلُ}: قوله تعالى: {لَأَمْلَأَنِّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]، يعني: تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب؛ لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر.
[{إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} 8 - 9]
ثم مثل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى إثبات الإنذار، وأن "ما" مصدرية أو موصولة. يعني: دل على إثبات الإنذار كما قلت: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم، أو ما أنذره آباؤهم، ودل قوله: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص: 46] {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ: 44] {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: 42] على أن الإنذار لم يوجد رأسًا. وأجاب: أن الآيات لم تدل إلا على نفي إنذارهم، أما على نفي إنذار آبائهم فلا يشك في أن التفسيرين متنافيان لدلالة أحدهما أن آباءهم ما أنذروا، والثاني على أن آباءهم أنذروا. فأجاب: أن المراد ما أنذر آباؤهم الأقربون دون القدماء.
قوله: (ثم مثل تصميمهم على الكفر)، الانتصاف: يكون تصميمهم على الكفر مشبهًا بذي الأغلال، واستكبارهم مشبهًا بالإقماح، لأن المقمح لا يطاطئ رأسه.
وقوله: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ} تتمة للزوم الإقماح، وعدم النظر في القرون الخالية مشبهًا بالسد من خلفهم، وعدم النظر في العواقب المستقبلة مشبهًا بسد من قدامهم.
ونقل صاحب "الفرائد" عن صاحب "التيسير": الأغلال مع الأيدي مجموعة إلى الأذقان: عبارة عن منع التوفيق حين كانوا متكبرين مستثقلين للحق، لأن المتكبر يوصف

الصفحة 11