كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 13)

أبصارهم، أي: غطيناها وجعلنا عليها غشاوةً من أن تطمح إلى مرئي. وعن مجاهد: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ}: فألبسنا أبصارهم غشاوة. وقرئ بالعين؛ من العشى. #وقيل: نزلت في بني مخزوم؛ وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدًا يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفع يده أثبتت إلى عنقه ولزق الحجر بيده، حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر فذهب، فأعمى الله بصره.
[{وسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ} 10 - 11]
فإن قلت: قد ذكر ما دل على انتفاء إيمانهم مع ثبوت الإنذار، ثم قفاه بقوله: {إنَّمَا}، وإنما كانت تصح هذه التقفية لو كان الإنذار منفيًا. قلت: هو كما قلت،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ بالعين؛ من العشى). قال ابن جني: هي قراءة ابن عباس وعكرمة وغيرهما من: عشى يعشى؛ إذا ضعف بصره، فعشي وأعشيته، كعمي وأعميته. وأما قراءة العامة فهي على حذف المضاف، أي: فأغشينا أبصارهم. وينبغي أن يعلم أن (ع ش ي) يلتقي معناها مع (غ ش ي)، فإن العشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو وما على القلب بالياء من حيث كانت الواو أقوى من الياء، وما يبدو للناظر من العشاوة على العين أبدى إلى الحس مما يخامر القلب، ولهذا في هذه اللغة نظائر ما لو أودع كتابًا لكبر حجمه.
قوله: (وإنما كانت تصح هذه التقفية لو كان الإنذار منفيًا)، الانتصاف: في سؤاله سوء أدب، وكان ينبغي أن يقال: ما وجه ذكر الإنذار الثاني؟

الصفحة 15