كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
وثمانين ومئة.
وكان ثقةً ثبتًا فاضلًا عابدًا وَرِعًا كثيرَ الحديث، وهو أحدُ العلماءِ الزهَّاد والفتيان.
ويقال: إنَّه وُلد بسَمَزقَند، ورأيتُ (¬1) فيها عشرةَ آلافِ جَوزةٍ بدرهم.
ويقال: نهرُ عياض منسوبٌ إلى أبيه عياضِ بن مسعودِ بن بِشر، وبينه وبين مَرْوَ نصفُ فَرْسَخ.
وكان الفضيلُ شاطرًا يقطع الطريقَ بين أَبِيوَردَ وسَرخَس.
ذِكر توبتِه:
قال ابنُ خميس (¬2): كان يَهوَى جارية، فبينا هو ذاتَ ليلةٍ يرتقي إليها الجُدران، إذ سمع قارئًا يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16] فقال: بلى قد آن. ورجع، فآواه الليلُ إلى خَرِبة، فإذا فيها رُفْقَةٌ يقولون: إنَّ أمامَكم رجلًا يقطع الطريقَ يقال له: الفُضيل، فسمع الفُضيل، فأُرعِد وقال: يا قوم، أنا الفُضيل، جُوزوا، وواللهِ لأَجهدنَّ ألا أعصيَ الله أبدًا. ورجع عمَّا كان عليه.
وقيل: إنَّه سمع امرأةً تقول لابنها في القافلةِ وهو يبكي: اُسكت، لا يسمعك الفضيل، فقال: ويلي! وبلغ من أمري أنَّ النساءَ يعيِّرن أولادهنَّ بي. فتاب ونَسَكَ.
ذِكرُ طَرَفٍ من أخبار الفضيل:
قال إبراهيمُ بن الأَشعث: سمعت الفضيلَ ليلةً يقرأ سورةَ محمَّد، ويبكي ويردِّد هذه الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)} [محمد: 31] ويقول: إنْ بلوتَ أخبارَنا فضحْتَنا وهتَكْتَ أستارَنا، إنْ بلوتَ أخبارَنا أهلكتنا وعذَّبتنا.
وسمعته يقول: تزيَّنتَ للنالس وتصنَّعتَ لهم وتهيَّأت، ولم تزل تُرائي حتى عرفوك، فقالوا: رجلٌ صالح، فقضَوا لك الحوائج، ووسَّعوا لك المجالس، وعظَموك، سَوءةً لك ما أسوأَ حالك إنْ كان هذا شأنَك.
وسمعته يقول: إنْ قدرتَ ألا تُعرفَ فافعل، وما عليك ألا تُعرف، وما عليك إنْ لم
¬__________
(¬1) القائل هو الفضيل. انظر طبقات السلمي ص 8، وتاريخ دمشق 58/ 125.
(¬2) في مناقب الأبرار 1/ 41.