كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
مصرَ يسألني أن أستهديَ صاحبَه شيئًا، وأَبيتُ عليه، وقد لحّ، وقد جاءك يطلب منك جاريتَك، فلا تَنقصها من ثلاثين ألفَ دينار، فإنِّي سأستهديه إيَّاها. قال: فخرجتُ من عنده، فما شعرت إلَّا بالرَّجل قد جاءني وساومني الجارية، فقلت: لا أَنقصها عن ثلاثين ألفَ دينار، فاشتراها بعشرين ألفَ دينار، وكانت تساوي ألفَ دينار. ثم حملها إلى يحيى، فاستدعاني وقال: كم دفع لك في الجارية؟ قلت: بعتُها بعشرين ألفَ دينار، فقال: إنَّك لَخسيس، خذ جاريتَك، فهذا خليفةُ صاحبِ فارسَ قد جاء [في] مثل هذا، فلا تنقصْها من خمسين ألفَ دينار. فأخذتُها وخرجت، وإذا خليفةُ صاحبِ فارسَ قد جاء فساومني إيَّاها، فبعتها منه بثلاثين ألفَ دينار، ثم أتيتُ يحيى فأخبرته، وقال: ويحك، ألم تؤدِّبك الأولى عن الثانية! خذ جاريتَك، فقلت: جارية أَفادتني خمسين ألفَ دينارٍ ثم أملكها! لا والله، أُشهدك أنها حرَّة وقد تزوَّجتُها.
ولما تنكَّر الرشيدُ للبرامكة، بعث صالحًا صاحبَ الموصلِ (¬1) إلى منصور بنِ زيادٍ يقول له: قد وجب عليك عشرةُ آلافِ ألفِ درهم، فاحملها إليَّ اليوم، فإنْ فعل إلى قبلَ غروبِ الشَّمس وإلَّا فأتِني برأسه من غيرِ مراجعة. قال صالح: فخرجتُ إلى منصورٍ فعرَّفته، فقال: ذَهَبتْ واللهِ نفسي، واللهِ ما أَملك ثلاثَ مئةِ ألفِ درهم فضلًا عن عشرة آلافِ ألف درهم. ثم قال: يا صالح، اِحملني إلى أهلي حتى أُوصي، فلمَّا دخل على الحَرَم، أَوصى، وارتفع صُراخ الحرمِ والجوار.
ثم قال منصورٌ لصالح: امضِ بنا إلى يحيى بن خالدٍ لعل اللهَ أن يأتي بالفَرَج على يده، فدخلا على يحيى، فبكى منصور، فقال: ما لَك؟ ! فقصَّ عليه القصَّة، فأطرق مفكِّرًا، ثم دعا جاريتَه فقال: كم عندكِ من المال؟ فقالت: خمسةُ آلافِ ألفِ درهم، فقال: أعديها (¬2)، ثم بعث إلى ابنه الفضلِ قال: يا بُنيّ، كنتَ أَخبرتني أنَّك تريد أن تشتريَ ضيعةً بألفَي ألفِ درهم، وقد وجدتُ لك ضيعةً تُغِلّ الشُّكر، وتبقى على ممرِّ الدهر، فابعث إليَّ بالمال، فبعث به إليه، وبعث إلى جعفرٍ فقال: يا بنيّ، ابعث لي
¬__________
(¬1) في المنتظم 9/ 190، والتذكرة الحمدونية 2/ 191: صاحب المصلى.
(¬2) كذا، ولعلها: أعيريها. والله أعلم.