كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)

ودخل على شعبةَ فلم يلتفت إليه، فسئل شعبةُ عن رجلٍ ضُرب في رأسه، فادَّعى المضروبُ أنه ذهب شَمُّه، فلم يكن عند شعبةَ ولا أصحابِه جواب، فقال بقية: يُدَقُّ الخَرْدَلُ وَيشَمُّه، فإن دمعت عيناه فهو كاذب، وإن لم تدمعْ أُعطي الدِّيَة. فقرَّبه شعبةُ وأسمعه الحديث (¬1).
ومات بقيةُ بحمصَ في هذه السَّنة، وقيل: في سنة ثمانٍ أو تسعٍ وتسعين (¬2).
أسند عن خلقٍ كثير، منهم إبراهيمُ بن أدهمَ والأوزاعيُّ ومالك بنُ أنس وغيرهم، وروى عنه سفيانُ بن عيينةَ (¬3) وغيره، وأخرج له مسلمٌ حديثًا واحدًا، وقد تكلَّموا فيه.
[وقال الحافظ ابن عساكر: كان له ابن اسمه عطية قال: ] (¬4) دخل أبي يومًا على هارون، فقال له: يا بقية، إنِّي أحبُّك فحدِّثني، لقال: حدَّثني محمَّد بنُ قلادٍ الأَلْهاني، عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ قال. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وعدني ربِّي أن يُدخلَ الجنةَ من أمَّتي سبعين ألفًا، مع كلِّ واحدٍ سبعين ألفًا، وثلاثَ حَثَيات من حثيات ربِّي" (¬5) فامتلأ هارونُ فرحًا وقال: يا غلام، ناولني الدواةَ لأكتبها، وكان الفضلُ بن الربيع بعيبهًا عن هارون، فقال له الفضل: يا بقية، ناول أميرَ المؤمنين الدواة، فقال: ناوله أنت يا هامان، فقال الفضل: أسمعت يا أميرَ المؤمنين ما قال: ! فقال له: اسكت، فما كنتَ عنده هامانَ حتى كنت أنا فرعون.
وقال قوم: الحاصلُ أن بقيةَ كان ثقة صدوقًا، وإنَّما كان يُدَلِّس بقَصْد ترويجِ حديثه لعلوِّ الإسناد.

شُعَيب بن حَرْب
أبو صالحٍ المدائنيُّ الزَّاهد (¬6). كان من أبناء خُراسان، وكان يُعَدُّ من أهل بغداد،
¬__________
(¬1) تاريخ دمشق 3/ 396.
(¬2) في (ب): واختلفوا في وفاته؛ فحكينا عن ابن سعد أنه مات في هذه السنة، وقيل: في سنة سبع أو ثمان أو تسع وتسعين ومئة بحمص. والمثبت من (خ).
(¬3) وهو أكبر منه.
(¬4) في (خ): وقال عطية بن بقية، والمثبت من (ب)، والخبر في تاريخ دمشق 3/ 402 - 403 (مخطوط).
(¬5) وأخرجه أيضًا الترمذي (2437) وابن ماجه (4286). وله شواهد.
(¬6) تاريخ بغداد 10/ 330، المنتظم 10/ 39، تاريخ الإِسلام 4/ 1126، السير 9/ 188، وهذه الترجمة ليست في (ب).

الصفحة 277