كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
سخَّر اللهُ للأمين مَطايا ... لم تُسخَّر لصاحب المحرابِ
فإذا ما رِكابُه سِرْنَ بَرًّا ... سار في الماء راكبًا ليثَ غاب
أسدًا باسطًا ذراعَيه يَهوي ... أهْرَتَ (¬1) الشِّدْقِ كالحَ الأنياب
لا يُعانيه باللِّجام ولا السَّوطِ ... ولا غَمْزِ رِجله في الرِّكاب
من أبيات.
وكان محمد إذا بلغه لَومُ الناس له على شُربه ولَهوه يقول: ما ضرَّ يزيدَ بن معاويةَ لعبُه ولهوه، ولا نفع عبدَ الله بنَ الزبير خيرُه ودينه، وما قضى اللهُ فهو كائن. وبلغ المأمونَ فقال: تبًّا للمخلوع، وأيُّ ضرر أبلغُ من ذمِّ الناس ليزيد؟ ! وأيُّ فخر أعظمُ من فخر ابنِ الزبير وقد أقام تسع سنين عائذًا بحرم اللهِ تعالى، مشغولًا بعبادته، حتى قُتل شهيدًا؟ ! ! وأمّا يزيد، فأقام ثلاثَ سنينَ فعل فيها ما فعل من استهتاره بالدين، وإصرارِه على فسقه، وأيُّ مناسبة بين الرَّجلين؟ ! وقرأ المأمون: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].
[وقال محمَّد بن سلام: ] جلس الأمينُ يومًا مع ندمائه، فتنفَس نَفَسًا عاليًا، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما هذا التنفُس؟ ! فقال: ذكرت قولَ ابنِ بُقَيلة (¬2): [من البسيط]
إنْ كان دهرُ بني ساسانَ خانَهُمُ ... فإنَّما الدَّهرُ أطوارًا دَهاريرُ
وربَّما أصبحوا يومًا بمَنْزلةٍ ... يَهابُ صَولَتَها الأُسْدُ المَهاصير
فقُتل بعد أيام.
ذِكر مقتله:
لما انتقل محمد من قصر الخُلْد إلى مدينة أبي جعفر، ولم يبقَ عنده مالٌ ولا عُدَّة للحصار، دخل عليه قوَّاده، منهم حاتم بنُ الصَّقْر و [محمَّد بن] (¬3) إبراهيمَ بنِ الأغْلَب الإِفريقي، فقالوا: لقد رأيت ما آل فيه حالُك وحالنا، وقد رأينا رأيًا نَعرضه عليك، فانظر
¬__________
(¬1) في (خ): أهدب، والمثبت من الديوان ص 83، وتاريخ الطبري 8/ 509. وأهرت الشدق: واسعه. اللسان (هرت).
(¬2) في (خ) والعقد الفريد 6/ 406: نفيلة، وفي (ب): ابن أبي مقيلة، وكل ذلك خطأ، وهو عبد المسيح بن بقيلة الغساني. انظر العقد الفريد 2/ 29 - 30، والتذكرة الحمدونية 8/ 11.
(¬3) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري 8/ 478، والمنتظم 10/ 46، والكامل 6/ 282، وتاريخ الإِسلام 4/ 1050.