كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
البيتِ الذي نحن فيه، وأحجموا عنه، وقمت خلف الحُصُر التي (¬1) في البيتِ، وأخذ محمَّد بيده وسادة وجعل يقول: ويحكم أنا ابنُ عمِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي.
فدخل عليه رجلٌ يقال له: خُمارويه، غلامٌ لقريشٍ الدنداني مولى طاهر، فضربه على رأسه بالسيف، وضربه محمَّد بالوسادة في وجهه، واتَّكأ عليه ليأخذَ السيف منه، فصاح خُمارويه (¬2) بالفارسية: قتلني قتلني، فدخل عليه جماعة، فنخسه واحدٌ منهم بالسيف في خاصرته فوقع، وركبوه فذبحوه ذبحًا من قفاه، وأخذوا جُثَّته وتركوها في جلٍّ (¬3) وحملوها، فلما طلع الفجرُ قالوا: هاتِ العشرةَ آلاف درهم، فأخذوها وخلَّوا سبيلي.
قال أحمد: وبعث هَرْثَمَةُ إلى طاهرٍ عبدَ السَّلام بنَ العلاء صاحبَ حرسه يقول له: ما خبرُك؟ فقال طاهر: يا غلام، هات الطَّست، فجاء به وفيه رأسُ محمَّد فقال: هذا خبري، فأَعلِمْه. فلما عاد الرسولُ إلى هَرْثَمَةَ وأخبره بكى وقال: لعن اللهُ الأعور، فعلها. وأقام أيامًا حزينًا باكيًا، ثم أصبح طاهرٌ فنصب رأس محمَّد على البستان الذي يلي بابَ الأنبار، وفتحَ الباب، وخرج أهل بغدادَ ينظرون إليه وطاهرٌ يقول: هذا رأسُ المَخْلوع، وفي وجهه ضربةٌ وفي رأسه ضربة.
وبعث طاهر بالرأس والقضيبِ والبُردة والخاتَم والمصلَّى -وكان من سَعَفٍ مُبَطَّن- إلى المأمون مع محمَّد بنِ مصعب (¬4) ابنِ عمِّ طاهر، فأَدخل الحسنُ بن الفضل الرأسَ على تُرْس إلى بين يدي المأمون، فلمَّا رآه سجد، وأمر للذي جاء به بألف دينار (¬5).
وقال رجلٌ (¬6) من أهل خراسان: مَن قتله؟ قالوا: قُريش الدَّنداني، فقال: سبحانَ
¬__________
(¬1) في (خ): الذي.
(¬2) في (خ): حمرويه، وفي المنتظم 10/ 47: حميرويه، والمثبت من تاريخ الطبري 8/ 487، وتاريخ الإِسلام 4/ 1052.
(¬3) الجل: ما تلبسه الدابة لتصان به، يضم ويفتح. القاموس المحيط (جلل).
(¬4) كذا في تاريخ الإِسلام 4/ 1053، والوافي بالوفيات 5/ 138، وفي تاريخ الطبري 8/ 488: محمَّد بن لحسن بن مصعب، وفي الكامل 6/ 287: محمَّد بن الحسين بن مصعب.
(¬5) في تاريخ الطبري وتاريخ الإِسلام والوافي: ألف ألف درهم.
(¬6) في (خ): لرجل، وما أثبتناه الصواب، وانظر تاريخ الطبري وابن الأثير.