كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)

همُّ قتلوه كي يكونوا مكانَه ... كما غَدَرتْ يومًا بكسرى مَرازبُه (¬1)
فتطيَّر منها وسبَّها، وقال لأخرى: غنِّي, فغنَّت: [من الكامل]
مَن كان مَسرورًا بمَقْتَل مالك ... فليَأتِ نسوَتنا بوَسط نهارِ
يَجِد النِّساءَ حَواسرًا يَنْدُبْنه ... قد قُمْنَ قبل تبَلُّج الأسحار (¬2)
فبكى وقام، ورمى البِساطَ في دجلةَ وقال: [من مجزوء الكامل]
يا نَفْسُ قد حَقَّ الحَذَر ... أين المَفَرُّ من القَدَرْ
كلُّ امرئٍ ممَّا يخافُ ... ويَرْتَجيه على خَطَر
مَن يَرتَشفْ صَفْوَ الزَّما ... نِ يَغَصُّ يومًا بالكَدَرْ
وقال السِّندي: ومع هذا فما كان يصرف زمانَه إلَّا في اللهو واللعب، ولقد جلس يومًا على بِركةٍ فيها سَمَك، ورمى الشِّصَّ (¬3) ليصيدَ، وحجارةُ المجانيق تقع بين يديه، فقيل له: قم من ها هنا، فقال: حتى أتمِّمَ صيدي.
واشتدَّ القتالُ يومًا على باب قصرِ الخُلد، وجاءت حجارةُ المنجنيق والشطَّارُ بين يديه يقاتلون، فقال لهم: تنحَّوا من ها هنا لئلَّا تُصيبَكم الحجارة؛ شفقةً عليهم. فقالوا له: إذا لم نقاتلْ نحن فقل لزبيدةَ تخرج تقاتل، فتمثَّل بقول الأفْوَهِ الأَوْدي وقال: [من البسيط]
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سراةَ لهم ... ولا سَراةَ إذا جُهَّالهمْ سادوا
تُهدَى الأمورُ بأهل الرأي ما صَلَحَت ... فإنْ تَوَلَّت فبالأشرار تَنقاد (¬4)
وقال المأمونُ للفضل بنِ سهل: قد كان لأخي رأيٌ لو عَمل به لظَفِر، قال: وما هو؟ قال: لو كتب إلى البلاد التي تحت أيدينا: خُراسانَ وطَبَرِسْتان والرَّيِّ وغيرِها بوضع
¬__________
(¬1) انظر تاريخ الطبري 8/ 513، والبيت في أنساب الأشراف 5/ 248، والكامل 2/ 916، والأغاني 5/ 120 ضمن قصيدة للوليد بن عقبة بن أبي معيط في عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. والمرازب: جمع مَرْزُبان: وهو رئيس الفرس، أو الفارس الشجاع المقدم على القوم، وهو دون الملك في الرتبة. المعجم الوسط (رزب).
(¬2) البيتان للربيع بن زياد العبسي، وهما في ديوان الحماسة 2/ 995 (بشرح المرزوقي)، وتاريخ الطبري 8/ 512 - 513، والأغاني 17/ 178، والخزانة 8/ 369.
(¬3) الشص: حديدة عقفاء يصاد بها السمك. القاموس المحيط (شصص).
(¬4) الديوان ص 10 (الطرائف الأدبية)، والشعر والشعراء 1/ 223، والأمالي 2/ 225، والحماسة البصرية 2/ 69.

الصفحة 311