كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
ذِكر طَرَفٍ من أخباره:
قال ابن مُناذر: دخل سليمانُ بن المنصورِ على الأمين، فرفع إليه أن أبا نُواس هجاه وأنَّه زنديق، وأنشده من أشعاره المنكرة، فقال: يا عمّ، أَقتلُه بعد قوله: [من الكامل]
أُهدي الثناءَ إلى الأمين محمَّد ... ما بعده بتجارةٍ مُتَرَبِّصُ
صَدَقَ الثناءُ على الأمين محمَّد ... ومن الثناء تَكذُّب وتَخَرُّص
قد يَنْقُص القمرُ المُنيرُ إذا استوى ... هذا ونورُ محمَّد لا يَنْقُص
وإذا بنو المنصورِ عُدَّ حَصَاهمُ ... فمحمَّد ياقوتُها المُتَخَلَّص (¬1)
فغضب سليمانُ وقال: واللهِ لو (¬2) شكوتُ من عبد الله -يعني [ابن] الأمين (¬3) - ما شكوتُ من هذا الكافر، لوجب أن تعاقبَه، فكيف منه! [فقال: ] يا عمّ [فكيف] أعملُ بقوله:
قد أصبح المُلْكُ بالمُنى ظَفِرا ... كأنَّما كان عاشقًا قَدِرا
حسبُك وجهُ الأمين من قمرٍ ... إذا طوى الليلُ دُوْنَك القمرا
خليفةٌ يَعتني بأمَّته ... وإنْ أتَتْهُ ذُنُوبُها غَفَرا
حتى لو اسْطَاع من تَحَنُّنه ... دافع عنها القضاءَ والقَدَرا
فازداد سليمانُ غيظًا، فقال: يا عمّ، كيف أَصنعُ بقوله: [من المديد]
يا كَثيرَ النَّوْحِ في الدِّمَنِ ... لا عليها بل على السَّكَنِ
سُنَّة العُشَّاق واحدةٌ ... فإذا أحبَبْتَ فاسْتَنِنِ
ظنَّ بي مَن قد كَلِفتُ به ... فهو يَجْفوني على الظِّنَن
تَضْحك الدُّنيا إلى مَلِكٍ ... قام بالآثار والسُّنن
سنَّ للناس النَّدى فنَدُوا ... فكانَّ البخلَ لم يكن
يا أمينَ الله عِشْ أبدًا ... دُمْ على الأيَّام والزَّمن
أنت تبقى والفَناءُ لنا ... فإذا أفنيتَنا فكن
¬__________
(¬1) ديوان أبي نواس ص 398، وتاريخ بغداد 4/ 545، والمنتظم 10/ 17.
(¬2) في (خ): لقد، والمثبت من الصادر.
(¬3) ما بين معكوفين من تاريخ بغداد.