كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
وبُحْ باسم مَن تهوى ودَعْني من الكُنى ... فلا خيرَ في اللَّذَّات مِن دونها سِتْر
الأبيات [وهي من ديوانه] (¬1) وبلغ محمَّدًا قولُ الفضل [بنِ سهل]، فأمر بحبس أبي نُواس.
وقال أبو نواسٍ: [من الطويل]
وقد زادني تِيهًا على الناس أنَّني ... أُراني أغناهُم إذا كنتُ ذا عُسْرِ
فلو لم أنَلْ فَخْرًا لكان صِيانَتي ... فَمي عن جميع الناسِ حَسْبي من الفَخْر
ولا يطْمَعَنْ في ذاك منِّي طامعٌ ... ولا صاحبُ التَّاجِ المُحَجَّبُ في القصر (¬2)
وبلغ الأمينَ قولُه، فدعاه وعنده سليمانُ بن المنصور، فقال له: يا ابن اللَّخْناء، أنت تكتسب بشِعرك أوساخَ أيدي الناس اللئامِ ثم تقول: ولا صاحبُ التاج المحجَّبُ في القصر! واللهِ لا نلتَ مني شيئًا أبدًا.
ولما دخل المأمونُ بغدادَ، اجتمع عنده الشُّعراء، فقال لهم: أيُّكم القائل: [من الطويل]
إذا نزلت دون اللَّهاةِ من الفتى ... دعا هَمُّه مِن صدره برحيلِ
قالوا: أبو نُواس، قال: فأيُّكم القائل: [من المديد]
وتَمَشَّت في مَفاصِلهم ... كتَمَشِّي البُرْء في السَّقَمِ (¬3)
قالوا: أبو نواس، قال: فأيُّكم القائل: [من الطويل]
وما الناسُ إلا هالكٌ وابنُ هالكٍ ... وذو نَسَبٍ في الهالكين عَريقِ
إذا امتَحَنَ الدُّنيا لَبيبٌ تَكَشَّفتْ ... له عن عدوٍّ في ثيابِ صَديق
فقالوا: أبو نواس، فقال: هو أشعرُكم إذن.
وقال ابن عُيَينة لابن مُناذِر: أشعرُ الناس ظَريفُكم هذا، فقال ابنُ منادر: كأنك عنيتَ أبا نُواس؟ قال: نعم، فقال: لِم؟ فقال سفيان: بقوله: [من السريع]
يا قَمَرًا أبْصَرتُ في مأتَمٍ ... يَنْدُب شَجْوًا بين أترابِ
¬__________
(¬1) ص 242، وما بين حاصرتين من (ب).
(¬2) تاريخ الطبري 8/ 518، وانظر الديوان ص 343.
(¬3) انظر الخبر في تاريخ بغداد 8/ 487، وتاريخ دمشق 4/ 609.