كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)

وقال [الخطيبُ (¬1) بإسناده عن] محمَّد بنِ نافع [قال]: كان أبو نواسٍ صديقًا لي، فوقعت بيني وبينه هجرةٌ في آخر عمره، ثم بلغتني وفاتهُ، فتضاعف عليّ الحُزْن، فبينا أنا بين النائمِ واليقظان، إذا أنا به، فقلت: أبو نُواس؟ قال: لاتَ حينَ كُنية، قلت: الحسنُ بن هانئ؟ قال: نعم، قلت: ما فعل اللهُ بك؟ مال: غفر لي بأبياتٍ قلتُها، وهي تحت وسادتي، قال: فأتيت أهلَه، فلما أَحسُّوا بي أجْهَشوا بالبكاء، فقلت لهم: هل قال أخي شعرًا قبل موته؟ قالوا: لا نعلم، إلَّا أنَّه دعا بدَواةٍ وقِرْطاسٍ وكتب شيئًا لا ندري ما هو [قال: ] فرفعتُ وسادتَهَ، فإذا برُقعةٍ فيها مكتوب: [من الكامل]
يا ربِّ إن عَظُمَت ذنوبي كَثرةً ... فلقد علمتُ بأنَّ عَفْوَك أعظمُ
إنْ كان لا يَرجوك إلَّا مُحْسنٌ ... فمَن الذي يَدعو ويَرجو المُجْرم
أدعوك ربِّ كما أمَرْتَ تَضَرُّعًا ... فإذا رَدَدْتَ يدي فمَن ذا يَرْحَم
ما لي إليك وَسيلَةٌ إلا الرَّجا ... وجَميلُ عَفوك ثم أَنِّي مُسْلِم (¬2)
وقال أحمد بنُ هارون: رُئي أبو نواسٍ في المنام، فقيل له: ما فعل اللهُ بك؟ فقال: غفر لي بأبيات، وهي [من الوافر]
تأمَّل في نبات الأرضِ وانظرْ ... إلى آثار ما صَنَع المَليكُ
عيونٍ من لُجَيْنٍ ناظِراتٍ ... بأحداقٍ لها الذَّهبُ السَّبيك
على قُضُبِ الزُّمُرُد شاهداتٍ ... بأنَّ اللهَ ليس له شريك (¬3)
أسند أبو نُواس الحديثَ عن حَمَّاد بنِ زيد [ومعتمر بن سليمانَ وعبدِ الواحد بن زيادٍ (¬4) ويحيى بن سعيد القطَّان] وغيرهم (¬5)، غيرَ إنه ضيَّع ذلك بهنَاته.
[وحدَّثنا غيرُ واحدٍ عن أبي القاسم إسماعيلَ بن أحمدَ السَّمَرْقَنْدي بإسناده عن] محمَّد بنِ إبرإهيمَ بنِ كثير [قال: ] (¬6) دخلنا على أبي نُواسٍ في مرض موته، فقلنا له:
¬__________
(¬1) في تاريخه 8/ 491 - 492، وما بين حاصرتين من (ب).
(¬2) الديوان ص 5/ 587.
(¬3) تاريخ دمشق 4/ 639.
(¬4) في (ب): زيد، والمثبت من تاريخ بغداد 8/ 475.
(¬5) في (خ): حماد بن زيد وغيره.
(¬6) في (خ): وقال محمد بن إبراهيم بن كثير، والخبر في تاريخ بغداد 2/ 283، 284، والمنتظم 10/ 17.

الصفحة 351