كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)

أيَّ شيءٍ تُريد مني الذُّنوبُ ... عَلِقت بي فليس عني تغيبُ
ما يَضُرُّ الذنوبَ لو أعتَقَتْني ... رحمةً لي فقد عَلاني المَشيب (¬1)
وكان يتمثل دائمًا ويقول: [من الخفيف]
ليس مَن مات فاستراح بميْتٍ ... إنَّما المَيْت ميِّت الأحياءِ
وهذا البيت لعَديِّ بن الرَّعلاءِ المازني، من أبيات، منها:
إنَّما المَيْت من يعيش ذليلًا ... كاسفًا بالُه قليل الرَّجاءِ
فأُناسٌ يمصِّصون ثِمارًا ... وأُناس حلوقُهم في الماء (¬2)
ودخل عليه رجلٌ وهو يدور حول ساريةِ المسجد ويقول: [من مجزوء الرمل]
يا حبيبي يا حبيبي ... من حبيبي أنت تدري (¬3)
فقال له: علِّمني المحبَّة [فقال: هذا ما يجيءُ بالتعليم. وفي رواية] (¬4) فقال له: المحبَّة ليست من تعليم الخلق، وإنَّما هي من مواهب الحقِّ.
وقال له رجل: أَوصِني، فقال: توكَّل على الله حتى يكونَ هو معلِّمَك ومؤنسَك وموضعَ شكواك؛ فإنَّ الناس لا ينفعونك ولا يضرُّونك.
وقال معروف: وجدتُ في بعض الكتب: يقول اللهُ تبارك وتعالى: يا ابن آدم، ما أجسَرك! تسألني فأمنعك، لعلمي بما يُصلحك، ثم تُلحُّ عليَّ في السؤال، فأجود عليك بكرمي، وأعطيك ما سألتني، فتستعين به على معصيتي، فأَهُمُّ بهتك سِترك [فتسألني] فأستر عليك، فكم سترٍ جميلٍ أصنعه معك، وكم من قبيحٍ تعمله معي! يوشك أن
¬__________
(¬1) صفة الصفوة 2/ 321، وطبقات الأولياء ص 283.
(¬2) الأصمعيات ص 152، ومعجم المرزباني ص 86، والخزانة 9/ 583، 585. ولم يذكر الأصمعي البيت الأخير.
(¬3) لم نقف عليه، وفي صفة الصفوة 4/ 417: عن ذي النون المصري قال: كنت في الطواف، فسمعت صوتًا حزينًا، وإذا أنا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول:
أنت تدري يا حبيبي ... من حبيبي أنت تدري
ونحول الجسم والدم ... ـــع يبوحان بسري
يا عزيزي قد كتمت الـ ... ــحب حتى ضاق صدري
(¬4) ما بين حاصرتين من (ب).

الصفحة 359