كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
وقال الإمام أحمدُ بن حنبلٍ رحمةُ الله عليه: ما رأيت بالكوفة أفضلَ من حسين الجُعفي، وكان يُشَبَّه بالرُّهبان.
[وكان هارونُ الرشيد إذا رآه قبَّل يديه. وحدَّثنا غيرُ واحد عن محمد بنِ أبي منصورٍ بإسناده عن أبي] بكر بنِ سَماعةَ قال (¬1): كنا بمكَّة، فقدم الرشيدُ ومعه جعفر بنُ يحيى، فقال للخادم: سَلْ عن حسينٍ الجُعْفي، فسأل عنه، فقال رجل: الساعةَ يَطلع من الثَّنيَّة، وإذا بحسينٍ قد طلع على حمارٍ أسود، فلمَّا حاذى هارون، قال الخادم: هذا هو يا أميرَ المؤمنين، فجاءه هارون فقبَّل يده ورجله، فلم يلتفتْ إليه، فقال له جعفر: يا شيخ، أتدري من يسلِّم عليك؟ ! هذا أميرُ المؤمنين، فالتفت حسين إلى هارونَ وقال: وأنت هو يا حسنَ الوجه؟ ! إنَّ اللهَ سائلك غدًا عن هذا الخَلقِ كلِّهم، فقعد هارونُ يبكي، ومضى حسين.
وقيل لسفيان بن عُيينةَ والفُضَيلِ بن عياض: قد قدم حسينٌ الجُعفي، فخرجا للقائه، فلمَّا رأياه قبَّلا يديه ورِجليه، وجعل الفضيلُ يبكي ويقول: بأبي وأمِّي، رجل علَّمني اللهُ القرآنَ علي يديه. ثم دخل المسجدَ فطاف بالبيت وصلَّى ركعتين، وأكبَّ الناسُ عليه.
وقيل: مات بمكَّة (¬2) في ذي القَعدة سنةَ ثلاثٍ ومئتين (¬3)، ودُفن بالمُعَلَّى.
حدَّث عن القاسم بنِ الوليد وغيرِه، وكان وَرِعًا صالحًا ثقة.
[قال ابنُ سعد: ] (¬4) أقام مؤذِّنًا بمسجد جُعفي بالكوفة ستِّين سنة، يؤذِّن ويُقرئ القرآن.
أسند عن لَيث بنِ أبي سُليم، والأعمش، وهشامِ بن عروةَ وغيرهم.
¬__________
(¬1) في (خ): وقال بكر بن سماعة، والمثبت من (ب).
(¬2) في طبقات ابن سعد 8/ 519: بالكوفة.
(¬3) وهو قول الأكثر، ومنهم من قال سنة 204. انظر طبقات خليفة ص 171، وتاريخه ص 471، والتاريخ الكبير 2/ 381، والمعرفة والتاريخ 1/ 195، والمنتظم 10/ 118، وتهذيب الكمال. والسير 9/ 400، وغير ذلك.
(¬4) في طبقاته، وما بين حاصرتين من (ب).