كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)

فاعذِروني إذا بكيتُ (¬1) من الوجـ ... ـد فما لي إلى العزاءِ سبيل
إنَّ دمعي لَشاهدٌ لي على الحـ ... ـبِّ دليلٌ بأنَّ حزني طويل
[وحكى عنه أحمدُ بن أبي الحواريِّ قال] (¬2): دخلت جبلَ اللُّكَّام، فسمعت صوتَ حزينٍ في ظلام الليلِ يقول: يا أَمَلي ويا مؤمَّلي، ومَن برضاه تمامُ عملي، أعوذ بك من بدنٍ لا ينتصب (¬3) بين يديك، ومن قلبٍ لا يشتاق إليك، ومن عينٍ لا تبكي عليك. فعلمت أنَّه كلامُ عارف، فدنوت منه، وإذا بفتًى تُشرق أنوارُه في ظلمة الليل، فسلَّمت عليه فردَّ، فقلت: إنَّ للعارفين مقامات، وإنَّ للمشتاقين علامات. فقال: ويحك يا دارانيّ! وما هي؟ قلت: كتمانُ المصائب، وصيانةُ الكرامات، فقال: أحسنتَ زدني، فقلت: لا تُرِدْ غيرَه، ولا ترجُ سواه، وإيَّاك والدنيا، واتخذ الفقرَ غنى، والبلاءَ شفاء، والتوكُّلَ عليه معاشًا، والحبيبَ عدَّة. فقال: أحسنت، ثم حُجب عنِّي (¬4).
[وقال أحمد: خرجتُ مع أبي سليمانَ إلى بيت المقدس، فبينما نحن بجُبِّ يوسفَ - عليه السلام -، إذا أنا بشابٍّ نحيلِ الجسم كثيرِ الهمّ، فسلَّم على أبي سليمانَ وقال: أنت المذكورُ بالمعرفة، فهل لك أن تكسبَ أجري؟ قال: اسأل، قال: ما علامةُ المريد؟ فقال: إقبالُه على ما يريد وتركُه كل خليطٍ لا يريد، قال: فصاح وغُشي عليه، فرقَّ له أبو سليمانَ وقعد عند رأسِه، فلمَّا أفاق قال له: أنا ميِّت القلب قليلُ الفهم، فارفقْ بي، قال: قل، قال: متى يعلم المريدُ أنَّه مريد؟ وفي رواية: مراد، فقال: [إذا] (¬5) أنزل نفسَه منزلةَ راكبِ البحر، فهو يتوقَّع موجًا يُغرقه أو ريحًا تُعطبه. ثم غُشي عليه وفاته صلوات، فلمَّا أفاق قال له: أَعِد ما فاتك من الصَّلوات، قال: كلِّي فائت، ثم أخذ في البكاء، فقمنا وتركناه].
وقال أحمد: اشتهى أبو سليمانَ رغيفًا حارًّا بملح، فجئت به إليه، فعضَّ منه ثم
¬__________
(¬1) في طبقات الأولياء: بليت.
(¬2) ما بين حاصرتين من (ب).
(¬3) في (ب): ينصب.
(¬4) مناقب الأبرار 1/ 230.
(¬5) ما بين حاصرتين يقتضيه سياق الكلام، والحكاية ليست في (خ).

الصفحة 427