كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)
البغلِ الذي تحتك. ومشى معه إلى الجسر وعنده الأَعوان، فالتفت شريكٌ إليهم فقال: خذوا هذا فاحبسوه، وإنْ أطلقتموه لأُخبرنَّ صاحب الشُّرطة عبد الله بن مالك، فحبسوه، وقال له رجلٌ منهم: إن هذا تعلَّق بالأمس بالقاضي سلمةَ الأحمر فادَّعى عليه بأربع مئة درهم وأخذها، فقال: احتفظوا به. وأقام في الحبس مدَّة، فأرسل عبد الله صاحبُ الشرطة إلى شريكٍ يقول له: كم تحبس هذا الرَّجل؟ فقال: حتَّى يؤدِّيَ إلى سلمةَ أربع مئةِ درهم. فردَّها على سلمة، فجاء سلمةُ إلى شريكٍ يشكره، فقال له: يَا ضعيف! كلُّ مَن سألك مالك أعطيتَه إيَّاه؟ !
عافيةُ بن يزيد
ابن قيس بن عافيةَ بن شدَّاد بن ثُمامة بن سَلَمة بن كعب بن أَوْد بن صَعْب بن سَعد العشيرة، الكوفيُّ، الأَودي (¬1).
كان من أصحاب أبي حنيفةَ الذين يجالسونه، وكان الذين يذاكرون أَبا حنيفةَ جماعة، فإذا خاضوا في مسألةٍ وعافيةُ حاضر ووافقهم، أَمضَوها، وإنْ كان غائبًا، يقول أبو حنيفة: لا ترفعوها حتَّى يحضرَ عافية، فإذا حضر فإنْ وافقهم أَثبتوها، وإنْ خالفهم يقول أبو حنيفة: لا تُثبتوها.
وقال ابن الأَعرابي: خاصم أبو دُلامَة رجلًا إلى عافيةَ في حكومة، فلم يتَّضح لعافيةَ فيها الحكم، فأقام سنةً يتأنَّى فيها، فقال أبو دُلامة: [من المتقارب]
لقد خاصمَتْني دهاةُ الرِّجال ... وخاصمتُها سنةً وافيه
فما أدحض اللهُ لي حُجَّة ... وما غيَّب (¬2) اللهُ لي قافيه
ومَن خفتُ من جَوره في القضا ... فلستُ أخافك يَا عافيه
وبلغ عافيةَ، فقال لأبي دلامة: هجوتَني لأشكونَّك إلى أمير المُؤْمنين، فقال له: لَئن شكوتني لَيعزلنَّك، قال: ولِم؟ قال: لأنَّك لا تعرف الهجوَ من المدح.
¬__________
(¬1) في (خ): الأزدي، والمثبت من طبقات ابن سعد 9/ 333، وتاريخ بغداد 14/ 254، والمنتظم 9/ 51، وتهذيب الكمال، والسير 7/ 398.
(¬2) في تاريخ بغداد، والمنتظم، وتهذيب الكمال: خيب.