كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 13)

وكان هارونُ يثني عليه ويقول: عمِّي العباسُ يُعدُّ في أَسلافنا، وكان يعظِّمه ويبجِّله، وكان يقول لهارون: إنَّما مالُك ما تزرع به مَن أَصلحتْه نعمتُك، وسيفُك تحصد به مَن كَفرها.
وكان أَجودَ النَّاس، وفيه يقول ربيعةُ الرَّقي: [من الكامل]
لو قيل للعبَّاس يا ابنَ محمَّد ... قل لا وأنت مخلَّدٌ ما قالها
إنَّ السَّماحةَ لم تنزل مَعْقولةً ... حتَّى حلَلْتَ براحتيك عِقالها
وإذا الملوكُ تسايرت في بلدةٍ ... كانت كواكبَها وكنتَ هلالها (¬1)
وغضب العباسُ على سعيدِ بن سليمانَ المُساحقيّ، فكتب إليه سعيد: [من البسيط]
أَبلِغْ أبا الفضلِ يومًا إن عرضْتَ له ... من دائم العهدِ لم يخشَ الذي صَنَعا
ما بالُ ذي حرمةٍ صافي الإخاءِ لكمْ ... أمسى بجَفْوَتكمْ (¬2) من ودِّكم فَجِعا
من غير نائرةٍ إلَّا الوفاء لكمْ ... ما مثلُ حبلِك من ذي حُرمةٍ قُطِعا
ما تمَّ ما كنتُ أَرجو من مَودَّتكمْ ... حتى تبايَنَ شِعْبُ الوُدِّ فانصدعا
أَمَا وربِّ مِنًى والعامدين (¬3) لها ... والدَّافِعين بجَمْعٍ يوضِعون معًا
لو كان غيرُك يَطوي حبلَ خُلَّته ... دوني ويَلْبَس ثوبَ الهجرِ ما انتفعا (¬4)
فرضي عنه.
وقال له رجل: أَتيتُك في حُوَيجة، فقال: اُطلب لها رُجَيلًا.
وتوفِّي بالعبَّاسية وله خمسٌ وستُّون سنةً وستةُ أشهرٍ وعشرون يومًا (¬5)، وأهلُه يزعمون أنَّ الرشيد سمَّه، فسقى بطنُه فمات.
¬__________
(¬1) الأغاني 16/ 256 - 257، تاريخ بغداد 14/ 6، تاريخ دمشق 32/ 225، معجم الأدباء 11/ 135، وانظر في ترجمته أيضًا المنتظم 9/ 124، وتاريخ الإسلام 4/ 874، والسير 8/ 534.
(¬2) في تاريخ دمشق 32/ 226: بحرَّته.
(¬3) في تاريخ دمشق: والعامدات.
(¬4) في تاريخ دمشق: ما اتبعا.
(¬5) في تاريخ بغداد 14/ 5، والمنتظم 9/ 124: وستة عشر يومًا، وفي تاريخ دمشق 32/ 229: وبضعة عشر يومًا.

الصفحة 78