كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 13)

دِينِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: تُكَلِّمُهُمْ بِمَا يَسُوءُهُمْ. وَقِيلَ: تكلمهم بلسان ذلق فتقول بصوت يسمعه عن قَرُبَ وَبَعُدَ" أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لَا يُوقِنُونَ" أَيْ بِخُرُوجِي، لِأَنَّ خُرُوجَهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَتَقُولُ: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. وَقَرَأَ أَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ:" تَكْلِمُهُمْ" بِفَتْحِ التَّاءِ مِنَ الْكَلْمِ وَهُوَ الْجَرْحُ قَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ تَسِمُهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ" تُكَلِّمُهُمْ" أو" تكلمهم"؟ فقال: هي والله تكلمهم وتكلمهم، تُكَلِّمُ الْمُؤْمِنَ وَتَكْلِمُ الْكَافِرَ وَالْفَاجِرَ أَيْ تَجْرَحُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ:" تُكَلِّمُهُمْ" كَمَا تَقُولُ تُجَرِّحُهُمْ، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ تَكْثِيرٌ مِنْ" تَكْلِمُهُمْ". (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لَا يُوقِنُونَ) وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَيَحْيَى:" أَنَّ" بِالْفَتْحِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ:" إِنَّ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: فِي الْمَفْتُوحَةِ قَوْلَانِ وَكَذَا الْمَكْسُورَةُ، قَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَعْنَى بِأَنَّ وَكَذَا قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ" بِأَنَّ" وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَوْضِعُهَا نَصْبٌ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهَا، أَيْ تُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّاسَ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ:" إِنَّ النَّاسَ" بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ بِمَعْنَى تَقُولُ إِنَّ النَّاسَ، يَعْنِي الْكُفَّارَ." بِآياتِنا لَا يُوقِنُونَ" يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ حِيْنَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ كَافِرٍ إِيمَانًا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَبْلَ خُرُوجِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) أَيْ زُمْرَةً وَجَمَاعَةً. (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَبِأَعْلَامِنَا الدَّالَّةِ عَلَى الْحَقِّ. (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أَيْ يُدْفَعُونَ وَيُسَاقُونَ إِلَى مَوْضِعِ الْحِسَابِ. قَالَ الشَّمَّاخُ:
وَكَمْ وَزَعْنَا مِنْ خَمِيسٍ جَحْفَلٍ ... وَكَمْ حَبَوْنَا مِنْ رَئِيسٍ مِسْحَلِ
وَقَالَ قَتَادَةُ:" يُوزَعُونَ" أَيْ يُرَدُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ. (حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ) أي قال اللَّهُ (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) الَّتِي أَنْزَلْتُهَا عَلَى رُسُلِي، وَبِالْآيَاتِ الَّتِي أَقَمْتُهَا دَلَالَةً عَلَى تَوْحِيدِي. (وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) أَيْ بِبُطْلَانِهَا حَتَّى تُعْرِضُوا عنها، بل كذبتهم جاهلين غير مستدلين. (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ أَيْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حِيْنَ لَمْ تَبْحَثُوا عَنْهَا وَلَمْ تَتَفَكَّرُوا

الصفحة 238