كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 13)
مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠)
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) أَيْ ظَاهِرَاتٍ وَاضِحَاتٍ (قالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) مَكْذُوبٌ مُخْتَلَقٌ (وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ). وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ مُوسَى فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ مِنَ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ. وَقِيلَ: هِيَ مُعْجِزَاتُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ مُوسى) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْوَاوِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ" قَالَ" بِلَا وَاوٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ مَكَّةَ (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) أَيْ بِالرَّشَادِ. (مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ) قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا" يَكُونُ" بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا. (عاقِبَةُ الدَّارِ) أَيْ دَارِ الْجَزَاءِ. (إِنَّهُ) الْهَاءُ ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ (لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ:" أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى " أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ بَلْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ ثَمَّ رَبًّا هُوَ خالقه وخالق قومه" ولين سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ". قَالَ: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أَيِ اطْبُخْ لِي الْآجُرَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ الْآجُرَّ وَبَنَى بِهِ. وَلَمَّا أَمَرَ فِرْعَوْنُ وَزِيرَهُ هَامَانَ بِبِنَاءِ الصَّرْحِ جَمَعَ هَامَانُ الْعُمَّالَ- قِيلَ خَمْسِينَ أَلْفَ بَنَّاءٍ سِوَى الْأَتْبَاعِ وَالْأُجَرَاءِ- وَأَمَرَ بِطَبْخِ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ، وَنَشْرِ الْخَشَبِ
الصفحة 288