كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 13)

أَقَرُّوا بِعِلْمِهِ فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِشَهَادَتِهِ. (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: بِإِبْلِيسَ. وَقِيلَ: بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. (وَكَفَرُوا بِاللَّهِ) أَيْ لِتَكْذِيبِهِمْ بِرُسُلِهِ، وَجَحْدِهِمْ لِكِتَابِهِ. وَقِيلَ: بِمَا أَشْرَكُوا بِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَأَضَافُوا إِلَيْهِ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَضْدَادِ. (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أنفسهم وأعمالهم في الآخرة.

[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٥٣ الى ٥٥]
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) لَمَّا أَنْذَرَهُمْ بِالْعَذَابِ قَالُوا لِفَرْطِ الْإِنْكَارِ: عَجِّلْ لَنَا هَذَا الْعَذَابَ. وقيل: إن قائل ذلك النضر بن الحرث وَأَبُو جَهْلٍ حِينَ قَالَا" اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ" وَقَوْلُهُمْ:" رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ" وقوله: (وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى) فِي نُزُولِ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي هُوَ مَا وَعَدْتُكَ أَلَّا أُعَذِّبَ قَوْمَكَ وَأُؤَخِّرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. بَيَانُهُ:" بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ". وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ مُدَّةُ أَعْمَارِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى النَّفْخَةُ الْأُولَى، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. وَقِيلَ: الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِهَلَاكِهِمْ وَعَذَابِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَقِيلَ: هُوَ الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلِكُلِّ عَذَابٍ أَجَلٌ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ:" لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ". (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) يَعْنِي الَّذِي اسْتَعْجَلُوهُ. (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) أَيْ فَجْأَةً. (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أَيْ لَا يَعْلَمُونَ بِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ. (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) أَيْ يَسْتَعْجِلُونَكَ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَأَنَّهَا سَتُحِيطُ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، فَمَا مَعْنَى الِاسْتِعْجَالِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا" أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً".

الصفحة 356