كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 13)

الرُّكْنِ فَأَمَرَ بِهَا فَدُسِمَتْ بِالْقُبَاطِيِّ «١» وَالْمَطَارِفِ حَتَّى نَزَحُوهَا، فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ غُلَامًا وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَنُزِحَتْ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ تَغَيَّرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى. شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كُلُّ نَفْسٍ سَائِلَةٍ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا، وَلَكِنْ رُخِّصَ فِي الْخُنْفُسَاءِ وَالْعَقْرَبِ وَالْجَرَادِ وَالْجُدْجُدِ «٢» إِذَا وَقَعْنَ فِي الرِّكَاءِ «٣» فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَظُنُّهُ قَدْ ذَكَرَ الْوَزَغَةَ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ... ، فَذَكَرَهُ. الثَّامِنَةُ- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَسَائِرُ التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ أَنَّ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ مِنَ الْمَاءِ طَاهِرٌ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِسُؤْرِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ خِلَافٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بن أبي رباح وسعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِإِرَاقَةِ مَاءٍ وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ وَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْهُ. وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ كون الْحَسَنُ رَأَى فِي فَمِهِ نَجَاسَةً لِيَصِحَّ مَخْرَجُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ مَالِكٍ:" وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، مِثْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، لَمْ يَرَوْا بِسُؤْرِ الْهِرَّةِ بَأْسًا. وهذا أحسن شي فِي الْبَابِ، وَقَدْ جَوَّدَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ أَتَمَّ مِنْ مَالِكٍ" قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ: الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ أَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ. الْحَدِيثَ. وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُ الْفُقَهَاءِ فِي كُلِّ مِصْرَ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ سُؤْرَهُ. وَقَالَ: إِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَحَدٌ أَجْزَأَهُ، وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ كَرِهَ الْوُضُوءَ بِسُؤْرِ الْهِرَّةِ أَحْسَنَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، وَبَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْكَلْبِ فَقَاسَ الْهِرَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ فرقت
السنة بينهما في باب
---------------
(١). دسم الشيء يدسمه دسما: سده. والقباطي (بالضم): ثياب من كتان رقيق يعمل بمصر، نسبة إلى القبط على غير قياس. والمطارف: جمع مطرف، وهو رداء من خز مربع ذو أعلام.
(٢). الجدجد كهدهد طوير شبه الجرادة.
(٣). الركاء (جمع ركوة): إباء صغير من جلد يشرب فيه الماء.

الصفحة 47