كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 13)

وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: جَزَى اللَّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى عَقُوقًا وَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ أَيْ جَزَاءٌ وَعُقُوبَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: إِنَّ" أَثاماً" وَادٍ فِي جَهَنَّمَ جَعَلَهُ اللَّهُ عِقَابًا لِلْكَفَرَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ: لَقِيتَ الْمَهَالِكَ فِي حَرْبِنَا وَبَعْدَ الْمَهَالِكِ تَلْقَى أَثَامًا وَقَالَ السُّدِّيُّ: جَبَلٌ فِيهَا. قَالَ: وَكَانَ مَقَامُنَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ بِأَبْطَحَ ذِي الْمَجَازِ لَهُ أَثَامُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، وَهُوَ يُخْبِرُنَا بِأَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَتْ:" وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً". ونزل:" يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ" الْآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ،" يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا" نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَسَيَأْتِي فِي" الزُّمَرِ" بَيَانُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِلَّا بِالْحَقِّ" أَيْ بِمَا يَحِقُّ أَنْ تُقْتَلَ بِهِ النُّفُوسُ مِنْ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" الْأَنْعَامِ" «١». (وَلا يَزْنُونَ) فَيَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ثُمَّ الزِّنَى، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي حَدِّ الزِّنَا الْقَتْلُ لِمَنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ أَقْصَى الْجَلْدِ لِمَنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" يُضاعَفْ". و" يَخْلُدْ" جَزْمًا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ:" يُضَعَّفْ" بِشَدِّ الْعَيْنِ وَطَرْحِ الْأَلِفِ، وَبِالْجَزْمِ فِي" يُضَعَّفْ. وَيَخْلُدْ". وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ:" نُضَعِّفْ" بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ العين المشددة." العذاب" نصب و" يَخْلُدْ" جزم، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة.
---------------
(١). راجع ج ٧ ص ١٣٣ طبعه أولى أو ثانية.

الصفحة 76