كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 13)

له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كلُّ سماء فيها أنبياء قد سمّاهم؛ منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ولم أحفظِ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: ربِّ، لم أظنَّ أن ترفع عَلَيَّ أحدًا. ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمُه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربُّ العزَّةِ فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى [٣٧٨٧]، فأوحى الله فيما يُوحِي إليه خمسين صلاة على أمتِك كلَّ يومٍ وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد، ماذا عَهِد إليك ربُّك؟ قال: «عهِد إليَّ خمسين صلاة كل يوم وليلة». قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربُّك وعنهم. فالتفت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل كأنه يستشيره، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شِئت. فعلا به إلى الجبار -تبارك وتعالى-، فقال وهو مكانه: «يا ربِّ، خفِّف عنا، فإنّ أُمَّتي لا تستطيع هذا». فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجَع إلى موسى، فاحتبَسه، فلم يَزَل يُرَدِّدُه موسى إلى ربِّه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد، واللهِ، لقد راودتُ بني إسرائيل على أدنى من هذا فضَعُفُوا وتركَوه، فأمتُك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجِع فليخفِّف عنك ربُّك. كلَّ ذلك يلتفت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل ليُشير عليه ولا يَكرَهُ ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة، فقال: «يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادُهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم؛ فخفِّف عنا». فقال الجبار: يا محمد. قال: «لبيك وسعديك». قال: إنه لا يُبدَّلُ القول لديَّ؛ كما فرَضت عليك في أمِّ الكتاب، وكلُّ حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أمِّ الكتاب، وهي خمسٌ عليك. فرجَع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: «خفَّف عنا؛ أعطانا بكلِّ حسنة عشر أمثالها». فقال موسى: قد -واللهِ- راودت
---------------
[٣٧٨٧] علَّقَ ابنُ كثير (ت: سلامة) ٥/ ٦ - ٧ على هذا بقوله: «وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها، على مذهب مَن زعم أنّه - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه، يعني قوله: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى. قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة -في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل- أصح. وهذا الذي قاله البيهقي هو الحق في هذه المسألة؛ فإن أبا ذر قال: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه». وفي رواية: «رأيت نورا». أخرجه مسلم».

الصفحة 19