كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 13)

{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} إلى قوله: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}، فكانت بنو إسرائيل، وفيهم الأحداث والذنوب، وكان الله في ذلك مُتجاوِزًا عنهم، مُتَعَطِّفًا عليهم، مُحْسِنًا إليهم، فكان مِمّا أنزل بهم في ذنوبهم ما كان قدم إليهم في الخبر على لسان موسى، مِمّا أنزل بهم في ذنوبهم، فكان أول ما أنزل بهم من تلك الوقائع أنّ ملِكًا منهم كان يدعى: صديقة، وكان الله إذا مَلَّك الملِك عليهم بعث نبيًّا يُسَدِّده ويرشده، ويكون فيما بينه وبين الله، ويحدث إليه في أمرهم، لا ينزل عليهم الكتب، إنما يؤمرون باتباع التوراة والأحكام التي فيها، وينهونهم عن المعصية، ويدعونهم إلى ما تركوا من الطاعة. فلمّا ملك ذلك الملِك بعث الله معه شعيا بن أمصيا، وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى، وشعيا الذي بشَّر بعيسى ومحمد، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانًا، فلمّا انقضى ملكُه عظمت فيهم الأحداث، وشعيا معه، بعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل، ومعه ستمائة ألف راية، فأقبل سائرًا حتى نزل نحو بيت المقدس، والملك مريض؛ في ساقه قرحة، فجاء النبي شعيا، فقال له: يا ملك بني إسرائيل، إنّ سنحاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده ستمائة ألف راية، وقد هابهم الناس وفرقوا منهم. فكَبُر ذلك على الملك، فقال: يا نبي الله، هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به؛ كيف يفعل الله بنا وبسنحاريب وجنوده؟ فقال له النبي - عليه السلام -: لم يأتني وحيٌ أُحْدِث إلَيَّ في شأنك. فبينا هم على ذلك أوحى الله إلى شعيا النبي: أن ائت ملك بني إسرائيل، فمره أن يوصي وصيته، ويستخلف على ملكه مَن شاء مِن أهل بيته. فأتى النبي شعيا ملك بني إسرائيل صديقة، فقال له: إنّ ربك قد أوحى إلَيَّ أن آمرك أن توصي وصيتك، وتستخلف مَن شئت على ملكك مِن أهل بيتك؛ فإنّك ميت. فلما قال ذلك شعيا لصديقة أقبل على القبلة، فصلّى وسبح ودعا وبكى، فقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله بقلب مخلص، وتوكل وصبر، وصدق وظن صادق: اللهم رب الأرباب، وإله الآلهة، قدوس المتقدسين، يا رحمن يا رحيم، المترحم الرؤوف، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل، وذلك كله كان منك، فأنت أعلم به مِن نفسي، سري وعلانيتي لك. وإن الرحمن استجاب له، وكان عبدًا صالحًا، فأوحى الله إلى شعيا أن يخبر صديقة الملك أنّ ربه قد استجاب له، وقبِل منه، ورحمه، وقد رأى بكاءه، وقد أخَّر أجله خمس عشرة سنة، وأنجاه

الصفحة 38