كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 13)

لقيت التوراة، ومن شر أيامي يوم ولدت فيه، فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو أشر عليَّ، لو أراد بي خيرًا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل، فمن أجلي تصيبهم الشقوة والهلاك. فلما سمع الله تضرع الخضِر وبكاءه وكيف يقول ناداه: يا إرميا، أشق ذلك عليك ما أوحيت لك؟ قال: نعم، يا رب، أهلِكْني قبل أن أرى في بني إسرائيل ما لا أسر به. فقال الله: وعزتي العزيزة، لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتى يكون الأمر من قبلك في ذلك. ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربه، وطابت نفسه، وقال: لا، والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق، لا آمر ريي بهلاك بني إسرائيل أبدًا. ثم أتى ملك بني إسرائيل، فأخبره ما أوحى الله إليَّ، فاستبشر وفرح، وقال: إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا، وإن عفا عنا فبقدرته. ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية وتماديًا في الشر، وذلك حين اقترب هلاكهم، فقلَّ الوحي حين لم يكونوا يتذكرون الآخرة، وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنيا وشأنها، فقال لهم ملكهم: يا يني إسرائيل، انتهوا عما أنتم عليه قبل أن يمسكم بأس الله، وقبل أن يُبعَث عليكم قومٌ لا رحمة لهم بكم، وإن ربكم قريب التوبة، مبسوط اليدين بالخير، رحيم بمن تاب إليه. فأبوا عليه أن ينزعوا عن شيء مما هم عليه، وإنّ الله قد ألقى في قلب بختنصر بن نبوزرادان بن سنحاريب بن دارياس بن نمرود بن فالخ بن عابر بن نمرود -صاحب إبراهيم الذي حاجَّه في ربِّه- أن يسير إلى بيت المقدس، ثم يفعل فيه ما كان جدُّه سنحاريب أراد أن يفعل، فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس، فلما فَصَل سائرًا أتى ملك بني إسرائيل الخبرَ أنّ بختنصر قد أقبل هو وجنوده يريدكم، فأرسل الملك إلى إرميا، فجاءه، فقال: يا إرميا، أين ما زعمت لنا أن ربك أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس حتى يكون منك الأمر في ذلك؟ فقال إرميا للملك: إن ربي لا يخلف الميعاد، وأنا به واثِق. فلما اقترب الأجل، ودنا انقطاع ملكهم، وعزم الله على هلاكهم؛ بعث الله ملَكًا من عنده، فقال له: اذهب إلى إرميا، فاستفته. وأمره بالذي يستفتى فيه، فأقبل الملك إلى إرمياء، وكان قد تمثل له رجلًا من بني إسرائيل، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري. فأذن له، فقال له الملك: يا نبي الله، أتيتك أستفتيك في أهل رحمي، وصلت أرحامهم بما أمرني الله به، لم آت إليهم إلا حسنًا، ولم آلهم كرامة، فلا تزيدهم كرامتي إياهم إلا إسخاطًا لي، فأفتني فيهم، يا نبي الله. فقال له: أحسن فيما بينك وبين الله، وصِل

الصفحة 57