كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 13)

ما أمرك الله أن تصل، وأبشر بخير. وانصرف عنه، فمكث أيامًا، ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل الذي كان جاءه، فقعد بين يديه، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الرجل الذي أتيتك أستفتيك في شأن أهلي. فقال له نبي الله: أوما طهُرت لك أخلاقهم بعد، ولم تر منهم الذي تحب؟ فقال: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق، ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس لأهل رَحِمه إلا قد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك. فقال النبي: ارجع إلى أهلك، فأَحْسِن إليهم، أسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلح ذات بينكم، وأن يجمعكم على مرضاته، ويجنبكم سخطه. فقام الملَك من عنده، فلبث أيامًا، وقد نزل بختنصر وجنوده حول بيت المقدس بأكثر من الجراد، ففزع منهم بنو إسرائيل فزعًا شديدًا، وشقَّ ذلك على ملِك بني إسرائيل، فدعا إرميا، فقال: يا نبيَّ الله، أين ما وعدك الله؟ فقال: إني بربي واثق. ثم إن الملَك أقبل إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك، ويستبشر بنصر ربه الذي وعده، فقعد بين يديه، فقال له إرميا: مَن أنت؟ قال: أنا الذي كنت أتيتك في شأن أهلي مرتين. فقال له النبي: أوَلَم يَأْنِ لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه؟! فقال له الملك: يا نبي الله، كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه، وأعلم أن ما بهم في ذلك سخطي، فلما أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله، ولا يحبه الله - عز وجل -. فقال له نبي الله: على أي عمل رأيتهم؟ قال: يا نبي الله، رأيتهم على عمل عظيم من سخط الله، فلو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتد عليهم غضبي، وصبرت لهم ورجوتهم، ولكن غضبت اليوم لله ولك، فأتيتك لأخبرك خبرهم، وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق، إلا ما دعوت عليهم ربك أن يهلكهم. فقال إرميا: يا مالك السموات والأرض، إن كانوا على حقٍّ وصواب فأبْقِهم، وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه فأهلِكْهُم. فما خرجت الكلمة من فِي إرميا حتى أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس، فالتهب مكان القربان، وخسف بسبعة أبواب من أبوابها، فلما رأى ذلك إرميا صاح وشق ثيابه، ونبذ الرماد على رأسه، فقال: يا ملك السماء ويا أرحم الراحمين، أين ميعادك الذي وعدتني؟ فنودي إرميا، إنهم لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولَنا، فاستيقن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات، وأنه رسول ربه. ثم إن إرميا طار حتى خالط الوحش، ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس، فوطئ الشام، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، وخرب بيت المقدس، أمر

الصفحة 58