كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 13)

فسأل يحيى بن زكريا، فأبى أن يُرَخِّص له، فحقدت عليه امرأة أخيه، وجاءت بابنة أخي الملك الأول إليه، فقال لها: سليني اليوم حكمك. فقالت: حتى أنطلق إلى أمي. فلقيت أمها، فقالت: قولي له: إن أردت أن تفي لنا بشيء فأعطني رأس يحيى بن زكرياء. فقال: قولي لها: غير هذا خير لك منه. قال: فأبَتْ، وتَكَرَّه أن يخلفها فلا يُوَلّى الملك، فدفع إليها يحيى بن زكرياء، فلما وضعت الشفرة على حلقه قال: قولي: بسم الله، هذا ما بايع عليه يحيى بن زكرياء عيسى ابن مريم على ألا يزني، ولا يسرق، ولا يلبس إيمانه بسوء. فلما أمَرَّتِ الشفرةَ على أوداجه فذبحته ناداها مُنادٍ من فوقها، فقال: يا ربَّة البيت الخاطئة الغاوية. قالت: إنها كذلك، فما تريد منها؟ قال: لتبشر، فإنها أول ما تدخل النار. قال: وخسف بابنتها، فجاءوا بالمعاول، فجعلوا يحفرون عنها، وتدخل في الأرض حتى ذهبت (¬١). (ز)

٤٢٥٠٧ - عن محمد بن إسحاق، عن أبي عتاب -رجل مِن تَغْلِب كان نصرانيًا عُمُرًا مِن دهره، ثم أسلم بعد، فقرأ القرآن، وفقِه في الدين، وكان فيما ذكِر أنه كان نصرانيًّا أربعين سنة، ثم عُمِّر في الإسلام أربعين سنة- قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل نبيًّا بعثه الله إليهم، فقال لهم: يا بني إسرائيل، إن الله يقول لكم: إني قد سبَبتُ (¬٢) أصواتكم، وأبغضتكم بكثرة أحداثِكم. فَهَمُّوا به ليقتلوه، فقال الله -تبارك وتعالى- له: ائتهم، واضرب لي ولهم مثلًا، فقل لهم: إنّ الله -تبارك وتعالى- يقول لكم: اقضُوا بيني وبين كَرْمِي، ألم اختر له البلاد، وطيَّبتُ له المَدَرَةَ، وحظَرتُه بالسِّياج، وعرَّشتُه السَّويق والشوك والسِّياج والعَوْسَجَ (¬٣)، وأحطته بردائي، ومنعته من العالم وفضَّلتُه؟ فلقِيني بالشوك والجذوع، وكل شجرة لا تؤكل، ما لهذا اخترت البلدة، ولا طيَّبتُ المَدَرَةَ، ولا حظَرتُه بالسَّياج، ولا عرَّشتُه السويق، ولا حُطْتُه بردائي، ولا منعته من العالم، فضلتكم وأتممت عليكم نعمتي، ثم استقبلتموني بكل ما أكره من معصيتي وخلاف أمري، لِمَهْ؟! إنّ الحمار ليعرف مِزودَه، لِمَهْ؟! إنّ البقرة لتعرف سيدها. حلفت بعزتي العزيزة، وبذراعي الشديد، لآخذن ردائي، ولأمرُجَنَّ
---------------
(¬١) أخرجه يحيى بن سلام ١/ ١١٧.
(¬٢) قال محققو ابن جرير (ط: التركي): في نسخة: «سلبت»، وفي أخرى: «شيت». ولست أدري وجه الصواب في كل ذلك، فقد يكون من السبِّ، وهو اللعن، كما أثبتناه من بقية النسخ، وقد يكون من الشين (شينت)، وهو العيب، ويراد به هنا التبغيض.
(¬٣) العَوْسَجُ: شجر من شجر الشوك، وله ثمر أحمر مُدَوَّر كأنه خرز العَقيق. لسان العرب (عسج).

الصفحة 60