كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وفي هذا الحديث آدابٌ وسننٌ؛ منها التأكيدُ في لزوم الصمت، وقولُ الخيرِ أفضلُ من الصمت؛ لأن قولَ الخير غَنيمةٌ، والسكوتَ سلامة، والغَنيمةُ أفضلُ من السلامة، وكذلك قالوا: قلْ خيرًا تَغنَمْ، واسْكُتْ عن شرٍّ تسْلَم. قال عمّارٌ الكَلْبيُّ (¬١):
وقُلِ الخَيْرَ وإلّا فاصْمُتنْ ... إنَّه مَن لزِم الصمتَ سلِمْ
وقال آخر:
ومَن لا يَمْلِكُ الشَّفَتَيْن يَسْخُو ... بسوءِ اللفظِ مِن قالٍ وقيلِ (¬٢) (¬٣)
فمَن كانت هذه حالَه هو المأمورُ بالصمت، لا قائلَ الخيرِ وذاكرَ اللَّه، وقد ذكَرْنا هذا المعنى وكثيرًا مما قيل فيه من النَّظْم والنَّثر في كتاب "العلم" (¬٤)، وتقصَّيتُه في كتاب "بهجة المجالس" (¬٥)، والحمدُ للَّه. ورُوِي عن ابن مسعودٍ أنه قال: ما الشُّؤْمُ إلا في اللسان، وما شيءٌ حَقَّ بطول السجنِ منه (¬٦).
---------------
(¬١) ذكره المصنِّف في بهجة المجالس، ص ٨٤، وفي أدب المجالسة، ص ٨٥.
(¬٢) ذكره المصنِّف في بهجة المجالس، ص ٨٣، وفي أدب المجالسة، ص ٩٣.
(¬٣) بعد هذا في م: "ولقد أحسن القائل:
رأيْتُ اللسانَ على أهلِه ... إذا ساسه الجهلُ ليثًا مُغيرَا
وقال آخر:
لسانُ الفتى حَتْفُ الفتى حينَ يَجْهلُ ... وكلُّ امرئ ما بينَ فكَّيْه مَقْتَلُ"
والبيت الأول في الأمثال لابن سلام، ص ٤١، وعيون الأخبار لابن قتيبة، ص ٤٥١ وغيرهما دون عزو لقائل معين، والثاني لنصر بن أحمد الخبزارزي، وهو في نشوار المحاضرة ٧/ ١٠٣ وغيره، ولم يردا في النسخ المعتمدة.
(¬٤) جامع بيان العلم وفضله، ص ٥٤٧ - ٥٥٣ (٩٠٨ - ٩٢٣).
(¬٥) ص ٧٧ - ٧٨.
(¬٦) سيأتي تخريجه بعد قليل.

الصفحة 164